نادية السالمي
لو عاد العقاد بجلالة ثقافته وسعة اطلاعه، ووقف أمام مكتبة «أنجلو» كما حدث في الخمسينيات، ما وقفت في طابور أنتظر منه توقيعًا. لا لغرور أجده في نفسي، ولا لبغض يحتويه قلبي على حروف الإهداء، بل أنا من المفتونين بالإهداء فكيف إن كان من العقاد!
مسرحية التوقيع:
يعلن صاحب الكتاب بمساعدة دار النشر موعدًا، يلتقي فيه المعجبين - وهذا هو الوصف المناسب لهم وليس القراء - للحديث عن الكتاب والتوقيع لهم؛ فيشتري الحضور المحملين بالهدايا والورود نسخة من الكتاب، وأغلبهم من الأصدقاء وأهل الموقّع. ولا أدري أصب جلّ عجبي على أن أغلب الزوار هم أهل وأصدقاء، جاؤوا للمجاملة، أم على أن الكتاب الذي عليه التوقيع ما أهدي إليهم بل تم شراؤه، ونُسخت عليه جُمل باردة باهتة، قد لا يعرف حتى الموقّع لمن هي موجهة؛ فكل ما يعرفه أن الذي أمامه وجه جديد معجب به من غير أهله وأصدقائه، وعليه أن يتمنى له قراءة ممتعة!
المستفيد من المسرحية في المقام الأول هو دور النشر التي تحاول أن تفعّل دور صاحب الكتاب في التسويق لكتابه؛ علّها تسترد جزءًا من تكلفة الطباعة قبل أن تكتشف لاحقًا أنها متورطة في كيفية توزيع باقي النُسخ. وهي طريقة تجارية، غالبًا ما تكون خالية من أبعاد ثقافية جديرة بالإشارة! ومن جهة ثانية، ينتشي بهذه المسرحية الكاتب الذي يشق الطريق للنجومية، أو الذي لا يرغب بمفارقة الضوء حتى لو كان إنتاجه هزيلًا، ولا يرقى لهذه الجمهرة! يزعم البعض أن هذه اللقاءات تكوّن علاقة وطيدة بين القارئ والكاتب، أو توضح وجهة نظر أحد الأطراف المعنيين بالتوقيع من خلال المناقشة في محتويات الكتاب؛ فيحظى القارئ والكاتب بآفاق جديدة، كانت عنهم غائبة؛ ما يعني أني في حفلة كهذه إذا كشفت عن كراهيتي للرواية بشكل عام، وعن عزلتي عنها بعد قراءة «ترمي بشرر»، سيفهم الأستاذ «عبده الخال» أنه كاتب برتبة جراح، خط في الروح خطًّا مما تحمله صفحات الرواية من ألم، قد لا يشفى بطي الصفحة، واندثار الرواية! وسيستوعب سؤالي: هل تألمت من أصوات الضحايا وأنت تخلقهم في بالك، وتخنقهم بحبرك، فزرت طبيبًا نفسيًّا؟!
وإذا توجهتُ بفكرة في حفلة كهذه للأستاذ «تركي الدخيل» بأن عليه أن يتفرّغ لحمله العظيم في ريادة قناتي العربية والحدث بجانب التأليف، ويوفّر على الأقل زاوية من تلك التي يشغلها في الشرق الأوسط وعكاظ لكاتب موهوب مغمور.. فهل سيبتعد عن هاوية أنه النخلة، وأن طرحي الحصى، وعلى مشجب الحسّاد وجب تعليقي؟!
أعود لمولانا العقاد:
أرهقتنا المشاعر ونحن ندافع عن سلامتها ووضوحها فكيف نخون إرهاقنا في ضوء حفلة التوقيع؟!
الإهداءات التي تكتب لي وهي لا تعرف أني قارئة جيدة لا بد أنها كُتبت باردة وبرتابة بعكس تلك التي جاءتني هدية مع الكتاب، وتعرف إلى أين هي ذاهبة، عندها أسعد بالكتاب والإهداء، وأفخر بهما. وعلى افتراض أن مثقفًا بحجم العقاد سيخط لي إهداءً لو كنت في زمانه.. فحتى يسعدني توقيعه ينبغي أن يكون على علم مسبق بأني مهتمة بالكتابة لا مجرد معجبة، ويعرف أني قد كتبتُ ذات مرة: لمستُ في شخصية العقاد حنانًا يخبو خلف غطرسته.