محمد عبد الرزاق القشعمي
مع بدايات مكتبة الملك فهد الوطنية بتنفيذ برنامج التاريخ الشفوي للمملكة كان الحرص على التسجيل مع كبار السن ممن عمل في الدولة مع بدايات تأسيس المملكة لتسجيل بعض ما بقي بالذاكرة من مواقف وذكريات لم تُكتب, فكل من يتم التسجيل معه يحرص على ذكر ما شارك به من أحداث تستحق الذكر ليُرجع إليها فيما بعد كشواهد.
وكان ممن تم استضافته وسجلت معه بالمكتبة اللواء الدكتور يوسف السلوم عام 1418هـ، وقد أعجب بالفكرة وأشاد بها واقترح استضافة بعض الرموز، وذكر منهم معالي الفريق أول حمد بن محمد بن علي الشميمري، وذكر أنه قد شارك في حرب فلسطين عام 1948م، وأن لديه مخزوناً من المعلومات المهمة التي لا بد من تسجيلها. وقد اتصلت به وسريعاً ما استجاب لدعوتي وحضر للمكتبة بكل تواضع وبساطة, وبعد جولة سريعة بالمكتبة تم التسجيل معه صباح الثالث من شهر المحرم 1419هـ 1998م.
تحدث عن ولادته وطفولته بعنيزة وبدايات دراسته لدى المطوع ثم لدى مدرسة شبه نظامية هي مدرسة صالح بن صالح والتي بدأ يتعلم فيها الخط والحساب والإنشاء إلى جانب القرآن والعلوم الدينية.
انتقل في الثالثة عشرة من عمره إلى الحجاز فطور تعليمه بمكة المكرمة بالدروس الخصوصية لثلاث سنوات حتى حصل على ما يقابل الثانوية العامة.
وفي عام 1354هـ افتتح بمكة المدرسة العسكرية فالتحق بها مع ثمانين طالباً ليتعلموا العلوم العسكرية ومسؤولياتها، والتدريب على الأسلحة بأنواعها، وكانت القيادة العسكرية وقتها خليطاً من السعوديين والأتراك والسوريين والعراقيين، وذكر من رؤساء وقادة المدرسة السوري مراد الاختيار، والتركي تحسين بيك، وكانت المدرسة تتبع إدارة الأمور العسكرية فتطورت بعدها إلى وكالة الدفاع التابعة لوزارة المالية.
استمرت الدراسة والتدريب مدة سنتين، وقد لاحظ المسؤولون ضعف مستوى الطلاب وتدني مستوى تحصيلهم ليؤهلوا كضباط يتحملون المسؤولية. لهذا قرروا إخضاعهم لامتحان مع إشراك مجموعة من طلاب مدرسة تحضير البعثات. وقد كانت نتيجة الامتحان فوز خمسة طلاب فقط من بين الثمانين، وكان الشميمري أحد الخمسة الذين عينوا كضباط، أما البقية والذين لم يحالفهم الحظ فقد عينوا برتب ضباط صف.
في منتصف عام 1356هـ التحق مع غيره بمدرسة جديدة أخرى هي المدرسة الحربية الأولى بالقوات المسلحة بالطائف، وكانت أرفع مستوى من المدرسة السابقة، إذ درسوا فيها مواد علمية وعسكرية وطبقوها من خلال التدريب.
وبعد سنتين تخرجت الدفعة الأولى برتب وكلاء ضباط، وأقيم حفل التخرج بميدان المدرسة بالطائف حضره عدد كبير من قادة القوات المسلحة، وكبار الأعيان وغيرهم برئاسة الأمير عبدالله الفيصل. وبعد مضي ستة أشهر من تاريخ التخرج رقي الجميع إلى رتبة ملازم ثاني.
بدأ عمله في سلاح المدفعية وكان قائد المدفعية تركي الجنسية هو جعفر الطيار، وكان يمتدحه ويصفه بالرجل المثالي، فيذكر أن قائده قد كلفه مع بداية شهر ذي الحجة عام 1359هـ بتجهيز مدفعين بجميع مستلزماتها وأطقمها والتوجه بها إلى منى إحدى المشاعر المقدسة من أجل الرماية في أوقات الصلاة، ويقول إن هذا العمل سهل له الارتباط المباشر بجلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله. إذ يتلقى الأوامر منه مباشرة طوال فترة الحج، ويقول استدعاني الملك مساء اليوم الثامن من شهر ذي الحجة في القصر الملكي بمنى، وقال لي: شوف يا ولدي أبيك تحرص على ضبط الوقت، الوقت والمدفع في آن واحد، الخمسة الفروض، احرص، احرص، وفي ليلة من ليالي مناسك الحج قابلته حيث أرسل جلالتُه خادمه الخاص جوهر، وقال له : ((احضر ساعة من الزينات (راس كون) ورزنامة، وفعلاً أحضرها جوهر، فالتفت إلي جلالته وقال: يا ولدي ضبط هذه الساعة على ساعتنا، واحرص كل الحرص على ما افهمتك عليه)).
وهكذا بدأ العمل واستمر يقابل الملك كل ليلة لمدة خمس سنوات. ويذكر أن صباح العاشر من ذي الحجة عام 1360هـ وقت أذان الفجر في مزدلفة تأخرت رماية المدفع لأذان الفجر دقيقة واحدة بسبب هطول الأمطار المصحوبة بهواء شديد سبب لنا بللاً في عبوات المدافع المجهزة، فلم يشعروا إلا بعدد من جنود الحرس الملكي بقيادة القائد سعيد جودت يطلبهم للحضور لجلالة الملك ليؤدبهم بسبب تأخر إطلاق المدفع لدقيقة واحدة، وعندما رأى الملك ملابسه ملطخة بالطين، وعرف السبب هدأ جلالته وأعاد تأكيده على الحرص على الدقة في المواعيد مهما كانت الأسباب.
يذكر أساتذته الذين علموه مبادئ القراءة والكتابة بعنيزة وهم: عبدالعزيز الدامغ (ضعيف الله) وصالح الشايع والقرعاوي وصالح وعبدالمحسن الصالح وهي المدرسة المتطورة بالنسبة لغيرها، لأن صالح الصالح قد تعلم بمدارس العراق.
ويذكر أنه عندما كان يدرس لدى كُتَّاب (ضعيف الله) كان الطلبة منقسمين إلى مجموعتين، مجموعة داخل الغرفة الملحقة بالمسجد ومجموعة خارجها، وحدث أن جاء ولأول مرة سيارة لوري من مكة إلى بيت الشبيلي وكان طريقها إلى جوار المدرسة فخاف المطوع عندما رآها مقبلة تتهادى فطلب من الطلاب الموجودين خارج الغرفة أن يهربوا إلى الحيالة أما منهم داخلها فليقفلوا عليهم الباب وهو معهم حتى تنتهي هذه البلوى.
وقال إنهم لم يسمعوا أو يروا هذه السيارات فهذه مفاجئة لهم.
ويذكر الألعاب الشعبية التي كان وأقرانه يزاولونها بعنيزة وهي: الكرة التي يلفونها من الخرق وتسمى (طابة)، وكعاب عظام أرجل الخرفان، وأم خطوط، والجري والسباحة في الآبار المهملة والمستنقعات وقت الأمطار، وتربية الكلاب الضالة، وركوب الحمير، وغيرها. وعاد ليتذكر تدرجه في المراتب العسكرية من وكيل ضابط إلى فريق أول، ورئيساً لهيئة الأركان العامة، حتى تلقى الأمر بإحالته للتقاعد في 5-11-1395هـ بعد خدمة استمرت لواحد وأربعين سنة.
يعود ليذكر قادته العسكريين الأوائل ويشكرهم ويشيد بهم ومنهم: العميد يحيى الطرابلسي والشريف محسن الحارثي، وعزيز بيك السوري الذي قدم كمدرب مشاة بواسطة الرئيس طارق الأفريقي، وكذا خالد علمدار – والسفير اللواء توفيق – وهو مدرب مدفعية تركي.
وقال وهو يتذكر سنة تخرجه من المدرسة العسكرية في 1-8-1358هـ والذي تأخر تخريج دفعته بسبب عدم قناعة المسؤولين بمستواهم وكفاءتهم. حتى زارهم رئيس الأركان طارق الأفريقي واقتنع بكفاءتهم فصدرت الأوامر بتحديد موعد التخرج.
تخرج إلى رتبة ملازم حتى أصبح قائد سرية المدفعية الأولى، بعدها قائد السرية الثالثة مدفعية، أصبح بعدها قائد منطقة مكة المكرمة وهي المركز الرئيس للمنطقة الغربية.
كما تولى قيادة اللواء الحادي عشر إبان الاعتداء الثلاثي على مصر، ومرابطته بالأردن عام 1956م، كما أسند إليه مهمة قيادة التدريب لضباط الأمن العام بعد استبدال طريقة التدريب التركي بالإنجليزي. وعمل بين إدارتين: إدارة الجيش وهيئة الإمدادات والتموين.
وفي 6-7-1388هـ صدر الأمر السامي الكريم بترقيته لرتبة فريق ثانٍ مع مزاولة نيابة رئاسة هيئة الأركان العامة واستمر بها حتى تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول ورئيساً لهيئة الأركان العامة بتاريخ 3-7-1391هـ، وأصبح يطلق عليه معالي الفريق حتى تقاعده عن العمل في 5-11-1395هـ وله أربعة أبناء وثلاث بنات وأكثر من 35 حفيداً.
طلبت منه في آخر اللقاء أن يكتب ملخصاً لسيرته الذاتية بخط يده لأن الدكتور يوسف السلوم قد ذكر لي جمال وحسن خطه رغم أنه لم يتعلم التعليم النظامي المعتاد.
وفعلاً كتب لي بعد فترة وزود مكتبة الملك فهد الوطنية بمجموعة من الصور التاريخية لفترة عمله بالجيش في أوقات مختلفة.
ذكره الشيخ محمد العبودي في (معجم أسر عنيزة)، وقال إنه قد نشر نعيه في جريدة الرياض في 24-12-1432هـ. والحقيقة أنه لم يتوف إلا في يوم الأحد 3 رجب 1437هـ الموافق 10 إبريل 2016م ونشر أبناؤه نعيه بجريدة الرياض يوم الاثنين 4 رجب 1437هـ (ينعى محمد وطارق ونبيل ومنذر والدهم معالي الفريق أول حمد بن محمد بن علي الشميمري رئيس هيئة الأركان العامة (سابقاً) وسيصلى عليه في جامع الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة عصر اليوم الاثنين....). رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.