د.عبدالله الغذامي
في قصة يعرفها الوسط الأكاديمي عن البروفيسور عبد المحسن طه بدر، أستاذ النقد في جامعة القاهرة، كانت بدايتها حين تقدمت جيهان السادات لدراسة الماجستير في قسم اللغة العربية، ولم تكن مؤهلاتها مكتملة حسب شروط القبول ولأنها زوجة الرئيس برزت الأصوات لدعم قبولها مع التوسل بكل ما مر على القسم في تاريخه كله من استثناءات قديمة ووظفت الاستثناءات كلها لمصلحة السيدة الأولى، ووقف الدكتور بدر وحده ضد كل التبريرات وناضل ببسالة ولكن الأصوات ضده كانت أقوى منه، وكذا كان الموقف الرسمي للجامعة في صف الست، ودخلت السيدة طالبة ومر الزمن إلى وقت موت زوجها الرئيس وكانت قد تجاوزت المدة المحددة لتقديم الرسالة، وهي حالة من السهل تمديدها كالمعتاد مع بعض أعذار تقبلها أي جامعة ولكن المتحمسين قبل سنوات غيروا حماسهم هذه المرة ليكونوا ضد منحها مهلة تمديدية، وهنا تبرز أخلاق الرجل الكبير، حيث وقف وحيدا مرة أخرى ولكنه هذه المرة مساندا لموقف الطالبة جيهان، مفندا رأيه بأن الجامعة قبلت الطالبة ابتداء بناء على استثناء رسمي من كل دوائر الجامعة وتم تثبيته، رغم خطئه حينها، ولكنه صار أمرا رسميا وجاريا، وبما إنها طالبة مسجلة رسميا في سجلات الجامعة فإن من حقها أن تنال كل مسوغات التحصيل العلمي.... وانتصر رأيه في هذه المرة لأن النفاق الهش لم يستطع أن يقاوم الحق الصرف هذه المرة.
تلك قصة فريدة ترويها مجالس الوسط الأكاديمي، وأنا سمعتها شخصيا من الصديق الدكتور علي البطل -رحمه الله- ومن حقها أن تسجل في تاريخ ذلك الرجل النبيل الذي كانت له وقفات كثيرة نادرة ومنها أنه كان يرفض الندب التعاقدي مع جامعات خارج مصر، ليس لموقف ضد الجامعات الخارجية، ولكنه كان يرى أن التخلي عن العمل في مصر هو - حسب تشبيهه - مثل من يتخلى عن حبيبته حين تمرض، وقد سمعت منه هذا التشبيه في جلسة لنا في صنعاء وكان معظم الحضور على برامج الندب التعاقدي، وكان يلومهم على تخليهم عن جامعاتهم في مصر، وهم من جهتهم يردون بوجهات نظر أخرى، لها وجاهة ومعقولية أكيدة، ولكن القضية هي أن عبد المحسن طه بدر كان عملة نادرة وكان يجور على نفسه من أجل جامعته ومن أجل طلابه ومن أجل أخلاقياته الخاصة التي ظل وفيا لها، ولم ينافق الزعيم حين عزه وجابه اللحظة بشجاعة ولكن حين تبادرت فرص الصدق الخالص كان هو من تصدى لها، هنا يكون الوفاء بأعلى درجاته حين تكون وفيا لمبادئك الخاصة بعض النظر عن مشاعرك الخاصة. ومشاعره بكل تأكيد كانت ضد زمن السادات وتاريخ السادات ولكن هذا لم يعمه عن الحق الخالص.