(ما الحياة سوى مرض عُضال) - سقراط
ما الذي حدا بسقراط إلى تشبيه الحياة بهذا الوصف؟!
هكذا أرسلها مبهمة وغامضة لأننا لم يصلنا منه شيء إلا عن طريق تلامذته، ولذلك لم يهدأ لنيتشة بالاً حتى جعله صنماً أفل منذ زمن طويل!
ربما واجه سقراط من الحياة ما جعله يكون متشائماً حد الكره فتضايق من روح تقلبت بين تكاليف الدنيا ومتطلباتها وأزعجتها سياط الألسنة وسهام العيون المبرحة!
هكذا كان كما يُروى عنه بل وأشد من ذلك ما لقيه من زوجه حتى تجرّع سم الشوكران وهو في كامل قواه العقلية بعد أن كثُر حسّاده بسبب نصائحه وحكمه وإرشاداته التي مهّدت لظهور النظريات والأسس في شتى المعارف والعلوم الإنسانية، وإليه الفضل عبر حواراته كتاب (الأخلاق) الذي اُختلف في مؤلفه الحقيقي بين أرسطوطاليس وأفلاطون!
هل ما نراه من تقاطع رؤى واختلاف هو سلسلة متصلة من ذاك العضال؟!
وهل كما يُقال الاختلاف رحمة ؟! - أستغفر الله - إن كنّا نظن أن هذا مجرد اختلاف فقط!
النظريات المعقدّة في شتى أنواع المعارف تتبلور بطريقة متصلة وتمر بمراحل غامضة، فالأهرامات العملاقة إحدى النظريات الهندسية التي أخذت وقتاً وأشكالاً متعددة حتى وصلت إلى ما نراه الآن من عُمارة لم نصل إليها في وقتنا وهي مجرد سكن خاص لميت أي (مقبرة)! ترف أعجز الكثير عن استنساخه ولكنه حدث ظل صامداً لأكثر من ألفي عام وخمسمائة!
هنا هل هذه خلاصة أبحاث ونظريات لن تتكرر؟!
أبو الهول أيضاً في شكله المتناقض من إنسان إلى حيوان هو ثمرة نظريات فرعونية تجسدت فيه تقاطعات الحياة! ولعل داروين خطر بباله حين استقى من ذلك نظريته الخرافية أن الإنسان أصله قرد!
الأحلام الوردية التي تقفز بالمرء إلى صورة خيالية قد لا يصل إليها في واقعه هي إحدى نظريات السُّريالية التي تتجاوز علم اليقظة والمقاربة للمستحيلات والمختلطة باللا شعور فحينما تشاهد رسومات سلفادور دالي تظل في حيرة غامضة لا تستطيع الاهتداء إلى ما قصد الفنان إلا بعد جهد وتحليل نظري عميق وربما تظن بها كل الظنون حتى يأتي من السُّرياليين من يشرح لك تلك القطعة المتناثرة الأجزاء والمقطّعة كأجزاء ضحايا الحروب فتستبين لك الحقيقة على وجهها لأنها ببساطة فوق الواقع! وهذا كصاحبنا أبي الهول!
يقولون في نظرية الشعر إن الغموض أحد أسلحة الشاعر التي تميّزه عن غيره وهذا يرجعنا إلى أبي العميثل ومقولته الشهيرة - لمَ لا تقول ما يفهم؟! -، ولعلي أشاطره مع أبي تمام الصواب فليس الحق كله مع أبي تمام وليس الصواب جميعه مع أبي العميثل - ولِمَ لا تفهم ما يقال؟ -
ومع ذلك انقسم النقاد بينهما بين مؤيد ومعارض ولو كان بينهما سلاح لتقاتلوا على ذلك! فالغموض دون استقصاء (صحيّ) له جماله وإن كثُر فلا خير فيه! وهو تعقيد كالسُّريالية تأخذ أبعاداً تتمرد فيه على القوانين والعقائد فإن كان كذلك فقد خرجت من دائرة الفن المقبول إلى دائرة الفن غير المقبول! الأحجيات جزء من الغموض والرياضة الذهنية فشفرة دافنشي والكأس المقدسة هي إرهاصات الترقب والتوقع بحدث إلهي اُنتظر قرون عديدة لكنّه أشبه بالجعجعة دون طحن في الحقيقة وعلى خرافتها إلا أن الأوربيين في العصور الوسطى لديهم إيمان قاطع بأمثال دافنشي وشفرته! ومع هذ كله فالغموض رحمة ومستقبل أيضاً فلا بد أن نكون في المنتصف فذلك خير الأمور وهو متعة شاركت في امتداد نهضة الحضارة وتقدمها وتبلور على أثرها كثير من المفاهيم إلى دراسات أنتجت عصر الحداثة والعولمة وما بعدهما!
- زياد السبيت