عندما كنت طالباً جامعياً دعانا أحد الأساتذة الجامعيين لحضور ندوة مقامة في مسرح الجامعة، وذلك على هامش فعاليات اليوم العالمي للخدمة الاجتماعية، وبالفعل حضر صاحبكم تلك الندوة، غير أن المحاضر كان طوال محاضرته التي امتدت قرابة خمس وأربعين دقيقة يستلهم تجارب الغرب وفلسفاتهم ويطّعم بها محاضرته «المفيدة» حتى أتاح للحضور فرصة النقاش، فوجهت له سؤالاً ما زال حتى الآن بلا إجابة واضحة، كان سؤالي: لماذا نظل نستشهد بتجارب الغرب وفلسفاتهم بينما لدينا الكثير من المفكرين؟ أين نحن عن فكرهم؟! أو أين المفكرون العرب عن مجتمعاتنا؟!
مر على هذا السؤال ما يقارب خمسة عشر عاماً ولم أجد له إجابة واضحة، وبالمصادفة كنت بالأمس قد بدأت في قراءة كتاب جديد بعنوان (نيتشه وجذور ما بعد الحداثة) حرره الدكتور أحمد عبدالحليم عطية، وقد كان الفصل الأول من الكتاب يتحدث عن نيتشه في الفكر العربي المعاصر، وقد اتضح أن الكثير من الكتاب العرب والأساتذة الجامعيين قد أغراهم نيتشه بأفكاره في المباحث الاجتماعية والفلسفية -بعيداً عن فكره الديني- حيث كان لدى الكثير من الذين ترجموا كتبه ومباحثه وجهة نظر في ذلك، فحرصوا على ترجمة ما يهمنا على المستوى الاجتماعي والفكري فحسب.
ومن ضمن أولئك الذين قد كتبوا عن نيتشه وفلسفته حسب ما أورد الدكتور أحمد عطية في كتابه المذكور أعلاه «أن مرقس فرج بشارة هو أول من كتب عن فلسفة نيتشه على المستوى العربي، وكان ذلك إبان الحرب العالمية الأولى، ومن هؤلاء الذين اهتموا بفلسفته أيضاً فرح أنطون، وإدوار منسي الذي كتب عن علاقة نيتشه بالموسيقار فاغنر، وقد تناول إدوار أيضاً غراميات نيتشه وكتب عن ذلك (امرأة في حياة نيتشه). حتى العقاد قدم دراسات عديدة تناولت المقارنة بين نيتشه والمتنبي. والغريب في الأمر أن نيتشه نفسه كان قد تنبأ نبوءة تحققت حين تنبأ بأنه في يوم من الأيام سوف تُنشأ كراسٍ جامعية لدراسة كتابه (هكذا تكلم زرادشت). والمتابع للوضع الفكري الثقافي الفلسفي العربي يتضح له مدى تأثر الفكر العربي بفلسفة نيتشه، وكيف أن هذا الفيلسوف الألماني يعيش بأفكاره في الفكر العربي المعاصر.
لكن سؤالي الذي مازال قائماً: أين نحن من فلسفة مفكرينا؟ وأين مفكرينا من مجتمعاتنا؟!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26@