الحرب كانت ولازالت هي الوسيلة التي تلجأ لها السلطات للحفاظ على هيمنتها بعد فشل السبل الأخرى.
إذا فشلت السلطة الدينية والقضائية والتشريعية والإعلامية والمعرفية وغيرها، في ترويج الظلم الاجتماعي على أنه عدالة! او قَدَرْ! يصل الصراع الاجتماعي الى الصدام المباشر أو الثورة، فتلجأ تلك السلطات لاستخدام (العنف) عملاً بالمبدأ القائل (آخر العلاج هو الكي).
الصراع الاجتماعي ليس مرضاً، إنما هو وقود التطور والتغيير، وإذا كان بالإمكان إبطاء سرعته او حرفه مؤقتاً بواسطة الفكر اللاهوتي الجبري والمعرفة المزيفة، فبالإمكان تسريعه أيضاً بواسطة الفكر التنويري -كما جرى في أوروبا- او الحراك الجماهيري كما جرى ويجري حالياً في العالم، وخاصّة في الوطن العربي.
الكي او العنف لم يجدِ نفعاً منذ انبثاق النظام الرأسمالي في عصر النهضة حتى يومنا هذا، وبالرغم من أن نتيجة الحرب العالمية الأولى كانت تأجيل سقوط الرأسمال، إلا أنها أدّت الى عولمة الاضطهاد وتحويل الصراع الاجتماعي الى صراع بين الشعوب، ووضعت بذلك حجر الأساس لوحدة مصير الشغيلة في العالم كله.
استطاعت الحرب العالمية الثانية تأجيل بناء أنظمة لا رأسمالية، وتوجيه ضربة للبناء الديمقراطي داخل العملية الثورية بواسطة الستالينية المقيتة، ولكنها لم تستطع إيقاف الصراع، حيث برز البديل للنظام الرأسمالي على شكل تكتلات تتعاظم قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، تنضوي داخلها دول صناعية عظمى ودول ذات شأن إقليمي ومقاومات ومنظمات لا تمتلك السلطة.
الحربان الأولى والثانية هما عالميتان، وهذا دليل قاطع على تراجع الصراع الطبقي المحصور في مجتمع واحد وتقدم الصراع (العولمي). وبذلك تكون الحرب الضروس الجارية الآن على الأرض العربية هي (الحرب العالمية الثالثة) بدون تسمية رسمية.
الحروب الشاملة السابقة للعصر الرأسمالي، كحرب الاسكندر المقدوني في العبودية والفتوحات الإسلامية وغيرها، لم تكن من أجل هيمنة طبقة على أخرى، ولا هيمنة شعب على آخر، إنما من اجل توحيد الأرض والإنتاج.
بالرغم من شمولية تلك الحروب لا يجوز تسميتها عالمية، لأنها نشبت بسبب نشوء الدولة المركزية في بقعة واحدة، وبقي التمزق القبلي-العشائري في بقية البقاع مهدداً لوجود تلك الدولة، لذلك لابدّ من التوحيد لحماية التجربة التطورية الجديدة، أي عولمة الفضيلة إذا صح التعبير.
حروب الرأسمال هي عولمة الرذيلة، أي بدل أن يكون الاضطهاد الاجتماعي مُسلطْ من طبقة ضدّ الطبقات الأخرى داخل المجتمع الواحد، يتحول الى اضطهاد ولصوصية من شعب واحد او مجموعة قليلة من الشعوب ضدّ الشعوب الأخرى.
الحروب في عصر الرأسمال هي حروب عالمية، لأنها حولت المالكين في مجتمع واحد، الى مصّاصي دماء عابرين للحدود. وحولت بذلك الاضطهاد من أحادي، أي هيمنة طبقة على الإنتاج في المجتمع الواحد، الى اضطهاد محلّي واقليمي ودولي، يؤدّي بالضرورة الى مجاعات وموت وإبادة جماعية. لا يجوز القول أنّ الحروب الرأسمالية هي (الكي آخر العلاج)، إنما هي محاولة إبادة عوامل التغيير وإيقاف التطور، أي كمن (يريد إدخال الفيل في خرم إبرة).
تبريراً للجريمة الرأسمالية في الوطن العربي منذ اغتصاب فلسطين وصولا الى الحرب الدائرة حالياً، يروّج المتحذلقون من المثقفين المزيفين أنها حرب مصالح، ولكن إذا كانت مصلحتك أنني أموت، فأنت تغتصب بذلك حقي في الحياة، وبالتالي من حقي أن أقاومك او اقتلك دفاعاً عن نفسي. إذن هي ليست حرب مصالح إنما حرب حقوق.
الحروب الرأسمالية كانت ولازالت حروباً ضدّ حق شعوب العالم في الحياة، وبالتالي تشويه الوعي هو الوسيلة الوحيدة لتسويق الجريمة. لقد تم عن طريق الآلة الإعلامية والتعليمية الرأسمالية أن عدوّك أيها المُنتِجْ المسكين هو الآخر، من أي طائفة أو مذهب أو قومية او جنس كان، وإذا اكتشفت الحقيقة وقلت أنّ الرأسمال عدو الشعوب فأنت (كافر).
- د. عادل العلي