تحقيق - محمد المرزوقي:
استهجن نقّاد ومثقفون، ما يدور خلف كواليس العديد من دور النشر العربية، التي أخذت تسوّق لروايات أصدرتها بأسماء «مجهولة» ليس لمؤلفيها وجود في مشهدنا الروائي السعودي، لما تشهده الرواية من رواج لدى القارئ المحلي، في ظل موجة «التلقي» التي تشهدها الرواية محلياً وعربياً، لكونها اليوم «ديواناً» عالمياً، ما جعل من ناشرين عرب يتجهون إلى حالة من الابتذال، واستجداء الكتابة طلباً للربح، من خلال تسويق روايات «الوهم» وتسويقها عبر معرضي الرياض وجدة للكتاب، لما تجده الرواية من إقبال لدى القارئ السعودي، جعلها ضمن الأكثر مبيعاً بين الرياض وجدة منذ سنوات.
سؤال الـ «40» رواية
الناقد والكاتب الدكتور سلطان القحطاني، علق على وجود هذه الروايات بأنها أخذت خلال السنوات الأخيرة في طريقها إلى التكشّف شيئاً فشيئاً، قائلاً: رصدت حتى لقائي هذا مع «الجزيرة الثقافية» قرابة «40» رواية، وجدتها بأسماء (وهمية) ودونت بأسماء على أنها تشعرك بأن اسم المؤلف أو المؤلفة سعودي، أو سعودية، وهم في حقيقة الأمر لم يكتبوها، ولا تجد لهم حضوراً على أرض الواقع الثقافي، ما يجعلنا أمام قضية العرض والطلب، أو ما يمكن أن نسميه قضية (سوق) جاء منطلقها ما لمسه الناشرون من الإقبال الكبير من المجتمع السعودي على اقتناء الروايات، وخاصة في معارض الكتاب التي أصبحت محل رهان الناشر في كون الرواية الأكثر رواجاً بين مختلف المعارف والفنون الأخرى.
سرد كارثيّ!
أما عن «تورّط» دور النشر العربية في هذه الظاهرة، التي منطلقها البحث عن كاتب رواية لبيعها على دار النشر التي تضع اسماً عليها ومن ثم تسويقها قال القحطاني: مرد هذا المنتج هو دور النشر العربية، والسبب الرئيس في ذلك يرجع إلى ما رصدته خلال معرض الرياض الماضي وخلال معرض القاهرة، وما توصلت إليه في البحث عن تلك الأسماء التي يضعها الناشر العربي، ما أدى إلى إغراق الفن الروائي بأعمال «كارثية» لا تجد فيه المكان ولا الإنسان، ولا همومنا وأحلامنا، ما جعل الجيد من روايات السعوديين خاصة تضيع في خضم روايات الوهم والحشو، في ظل اختلاط «الديوان» لما تشهده الفنون الأدبية والإبداعية من تداخل، ما جعل من الرواية اليوم تتجاوز ديوان العرب إلى أن تكون ديوان العالم، في قرية صغيرة أبوابها متقاربة ومتقابلة.
تزييف المكان والإنسان!
الكاتب والأكاديمي بجامعة الطائف، الدكتور أحمد الهلالي، قال: أن يكتب بعض الأدباء بأسماء مستعارة، فهذا مشهور ومألوف، وتتقبله الأفهام باعتباره ملاذهم الآمن لمحاذير شتى يخشونها، أما أن يسوق أديب أعماله في بلد أخرى بأسماء مواطنين حقيقيين من تلك البلد فهذا يصنع أسئلة شتى، فإذا ثبت فعلاً أن في مشهدنا الروائي السعودي روايات لكتّاب عرب، تسوّق بأسماء مواطنين سعوديين حقيقيين يتبنون تلك الأعمال ويشهرونها، فإننا أمام قضية شائكة، قضية ربما تخرج عن فضائها الأدبي إلى فضاءات أخرى، فالرواية ذاكرة المكان والمجتمع، ومرآة المجتمع سواء من واقعه أو من خلال الرؤية التي يتصورها الكاتب.
بين غايتي ناشر!
وأضاف الهلالي قائلاً: إنني أنظر إلى القضية من باب الغائية، والتي غالباً ما تدور في فلك التكهنات، وأراها من زاويتين متباينتين، الأولى: غاية الكسب المادي سيما ومعارض الكتاب في المملكة تشهد إقبالاً هائلاً، وأدب الرواية يلقى رواجاً واسعاً بين المتلقين اقتناء وقراءة، والأسعار المبالغ فيها عندنا تفضح غايات الناشرين؛ الثانية: الغايات الفكرية والسياسية التي ربما تلعب دوراً في هذا الشأن خاصة لدى المنظمات أو الكتاب المتمرسين على تبطين رسائلهم بأساليب إيحائية يتوجس منها القارئ حين تلقيها بأسمائهم، وهذا ما عنيت به الخروج إلى فضاءات غير الفضاء الأدبي والثقافي، خاصة إذا تذكرنا تصريحات السياسيين السعوديين أننا في دائرة الاستهداف، وأن ثمة من يحاول اختراق أمننا الفكري.
الإعلام ومعامل السرد
وحول زاوية الرؤية الثانية، اختتم الهلالي حديثه قائلاً: يأتي دور النقاد، ومعامل السرديات، وتفكيك الخطابات؛ لكشف ملابسات الأسماء الغامضة، ويأتي دور الإعلام الذكي في إضاءة المناطق المعتمة، وإشعار الآخر أن تذاكيه لا ينطلي على مجتمع بلغ مرحلة متقدمة من الوعي والبصيرة؛ لأن نظرة بعض المثقفين العرب لمجتمعنا لا تزال كنظرة يوسف زيدان، يساعدهم في ذلك السذج السطحيون حين ينشرون أعمالهم بأسمائهم دون ضمير ولا تفكر.
تظل سلعة مزيَّفة!
الكاتبة ثريا بيلا، وصفت الكتابة الأدبية بأسماء مستعارة، ظاهرة مستهجنة ثقافيا، ومرفوضة إبداعياً، قائلة: الدافع المادي جعل من بعض دور النشر تغلب القيمة التجارية، على القيمة الأدبية الإبداعية، غير مكترثة بما تمثله تلك الروايات من ضعف المحتوى وركاكته، ومفتقدة إلى أبسط قواعد الكتابة الأدبية، ومما يؤسف له أن تجد مثل تلك المؤلفات رواجاً كبيراً في معارض الكتب السنوية، وربما حقق بعضها (الأكثر مبيعاً) ما يجعلنا نؤكّد على لجان مراقبة وفسح المطبوعات في معارض الكتب التنبه لهذه الظاهرة، حتى لا تتحول تلك الإصدارات في معارضنا إلى ما يشبه المصنوعات مجهولة المصدر، مختتمة ثريا حديثها بالتأكيد على «القارئ» بوصفه شريكاً في تنامي هذه الظاهرة، مضيفة قولها: بعض القراء يسارع إلى شراء الروايات كيفما اتفق من باب أنني اشتريت مجموعة من الروايات فأنا إذا قارئ!
عبء على المشهد!
الناقد والكاتب الدكتور أبو المعاطي الرمادي، وصف جود روايات من هذا النوع بما وصفه بالتدليس، وبالسرقة من دور النشر، مضيفاً قوله: نحن أمام أعمال نسبت إلى غير أهلها، أو أخرى لا يوجد لها أهل، لأن وجود روايات من هذا التدليس، مما يحسب على الرواية السعودية، ومما يضعف حضور الرواية السعودية تحديداً، ما يجعل من هذا الضعف بمثابة ركام سالب لا يضيف إلى نمو تراكم تجربة الرواية السعودية وتنامي تطورها، مشيراً إلى أن الناشر العربي وجد في سوق الكتب السعودية سوقاً رائجة لفن الرواية، إضافة إلى وجود رغبة من شريحة أخرى يريد أن يسبق اسمه بكلمة (رواية) تنشر له بهذه الطريقة أو تلك، ما جعل من شريحة من الناشرين يتسابقون إلى استغلال هذا التوجه القرائي لدى المجتمع السعودي.. مختتماً حديثه حول اختفاء المكان بوصفه «بطلا» أو بيئة حدثيّة حاضرة بقوله: ليس المكان مشكلة رئيسة، فالراوي يمكن أن يختار مكان أحداثه إلا أن المكان أحد أهم مكامن اكتشاف مثل تلك الروايات.