سمر المقرن
في الوقت الذي يظلم فيه كثيرٌ من الآباء بناتهم، هناك أيضاً بنات يظلمن آباءهن وأنفسهن. أتحدث هنا عن قضية (العضل)، حيث اعتزمت وزارة العدل -مشكورة- أن تُخصِّص المحاكم الأسرية أوقاتاً مسائية خارج وقت الدوام الرسمي لتزويج من لا ولي لها، أو من تعرّضت لظلم وتعسّف العضل. وبما أن العضل يعني منع الأب أو أي ولي أمر آخر للفتاة من أن تتزوج بمن ترغب بدون سبب منطقي وإنما هو ظلم لأجل الظلم، كان من المهم أن توضح الوزارة الآليات التي تستخدمها للتأكد من عضل ولي الأمر للفتاة، حتى لا يتم فتح الأبواب للبنات المتمردات من الوصول إلى هذه المرحلة، فالأصل في التربية والسياق الاجتماعي أن الزواج يتم بناءً على تفاهم الأسرة وموافقة جميع الأطراف. أضف إلى هذا، أن الوزارة لم توضح إن كانت قضايا تكافؤ النسب سيتم إلغاؤها تماماً، حيث أرى أن معظم قضايا العضل جاءت بسبب هذه القضية، ولكي تنجح الوزارة في هذه الخطوة من المهم أن تلغي هذه القضايا، فما الفائدة إن تم تزويج الفتاة في المحكمة ثم يرفع ولي أمرها قضية عدم تكافؤ نسب ويطلقها من زوجها وقد يكون وقتها لديهم أطفال، فهنا يكون تدمير كامل لأسرة ونشء جديد ليس له ذنب؟!
طبيعة الإنسان هي التكاثر والإنجاب، ومن ثم ينتظر الوالدان طوال حياتهما ثمرة التعب، وينتظران فرحة اليوم الذي تتزوج فيه ابنتهما، فكيف تغيَّرت هذه الطبيعة وكيف اختلفت هذه الفطرة بوجود آباء يستمتعون بوأد الطبيعة البشرية لابنتهم، أتوقع أنهم آباء غير أسوياء، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى دراسات وبحوث مع ازدياد أعدادهم، لكن في الوقت ذاته هل هذا العدد الكبير من الآباء الذين قاموا بعضل بناتهم صحيح؟ وهل كل ما تنقله الفتاة أو تدّعيه صحيح؟ بحكم عملي الدائم في القضايا الحقوقية للمرأة رأيت وتابعت كثيراً من الفتيات المظلومات، ورأيت أيضاً كثيراً من الفتيات الظالمات اللاتي يدّعين المظلومية، لذا من المهم أن لا تفتح وزارة العدل المجال لهذه النوعية من الفتيات، إنما يكون هناك شروط قوية وأبحاث متعمّقة عن حالة الفتاة للتأكد أنها فعلاً وقعت ضحية لجريمة العضل، إضافة إلى أن ولي الأمر الذي يقوم بهذا الفعل المشين لا ينبغي أن يترك هكذا يظلم ويبطش فيمن تحت ولايته، فمن المهم أن تكون هناك عقوبة واضحة وإجراء مشدد ضده، فمن لا يخاف من الله - سبحانه وتعالى- سيخاف من حد القانون، وأن لا تكون عقوبته فقط تزويج ابنته وسحب ولايتها منه، فهذا الظالم سيظلم غيرها، بل من المؤكد أن كل من في بيته يقعون تحت الظلم وبقوا في حالة صمت. أتصوّر أن قانوناً كهذا سيغيِّر هذه الثقافة الجائرة، وسيقلِّص من أعداد أولياء الأمور الجائرين إلى حد كبير!