أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: نعيشُ الآنَ خُصُوْصِيَّةَ بلادِنا (المملكةُ العربيةُ السعودية)، وخصوصيةَ دولتِنا، وخصوصيةَ أُمِّتِنا منذ الملك عبدالعزيز إلى من تعاقَب على خِدْمَةِ الحرمين الشريفين مِن أبنائِه وَحَفَدَتِه رحم الله مَيِّتَهُمْ (وما ماتَ مَن خَلَّف)، وَوَفَّق حَيَّهم لما يُحِبُّه الله ويرضاه من إقامِة شرعِ الله، وإسعادِ الأمَّةِ، وخِدْمَةِ قضايا الأمَّةِ العربيةِ والإسلاميةِ كافة.. نعيشُ هذه الخصوصية التي بَلْوَرَها الملك عبدالعزيز فَتَخْفِقُ قلوبنا بالدعاءِ له؛ «لأن جهادَه في فرض التعليمِ على الأُمِّيِّين العوامِّ الذين يريدون أولادَهم للحرف البِدائية كان في مسْتوَى جهاده العسكري.. نضَّر الله ذلك الوجهَ، ورحمَ شيبتَه، ونوَّر ضريحه؛ فلولا الله ثم عبدالعزيز لبقينا على حِرَفِ الآباء الساذَجة، ولَبَقِينا في ظُلْمة الجهل؛ فهل من شاكرٍ أُبَّوةَ هذا الزعيم القائم لنا مقامَ الأبِ والأستاذ؟
قال أبو عبدالرحمن: ولقد ذكرتُ في أحد بحوثي عن سيرةِ الملك عبدِالعزيز جوابَه على أسئلةٍ وُجِّهِتْ إليه من ضمنها هذا السُّآلِ: «ما موقفُ جلالتكم مع الحكومات المجاوِرَة لبلاد جلالتِكم؟؛ فكان جوابُه: يعْلَمُ جميعُ مَن عرفني أنني من الذين يسعون إلى السِّلم، ويرجِّحونه مادام يَؤول إلى حِفْظ الأرواحِ والأعراض، وحِفْظِ البلاد التي في وديعة من الله؛ وقد درجتُ على هذا المبدإ حتى يومنا هذا، وأسأل الله أنْ يكونَ هو دَيْدَني في المستقبل أيضاً؛ لذلك ترونني مع كل الحكومات المجاورة لبلاد الحجاز ونجد وملحقاتها بحالة سِلْمٍ وصداقة صريحتين لا غبار عليهما».. [قال أبو عبدالرحمن: هذا قبل إعلانِ هُوِيَّةِ المملكةِ العربية السعودية].
قال أبو عبدالرحمن: وهذا سؤال آخَرُ وُجِّه إليه: «هل ترون جلالتُكم أنَّ المؤتمرَ العربي الْمُقْبِلَ سيدعو إلى اتحاد العرب، وإذا دعيتم إلى حِلْفٍ عربي فهل أنتم مجيبون الدعوة؟.. وإني أسترحم من جلالة مولاي أنْ لا يضنَّ عليَّ بجواب سؤالي؛ لأني أرى أنَّ كلَّ مفكر يحب أنْ يعرفَ رأيَ جلالتكم نحو هذا الأمر؟.. فكان جوابُه رحمه الله تعالى: المستقبلُ بيد الله يُصُرِّفه كيف شاء، ولكني أُكرِّر قولي: إنه إذا كان قرارُ المؤتمرِ هو خالٍ من دعوى الشخصيات، ومنافعِ الأفراد، وجرِّ المغانم لأُناس دون آخرين، وإهمالِ المَثلِ الأعلى (ألا وهو عزُّ الأمة العربية، وائْتلافُها، وحفظُ حقوق أبنائها): فهذا أمر لا يمكن لعربيٍّ أنْ يتأخَّرَ عن معاضدتِه؛ وهذا من شيم العرب في جاهليتهم وإسلامهم.. وإني مع ضَعْفِي ولا حول لي ولا قوة إلا بالله أقول: إذا دُعيتُ إلى أمر فيه عِزُّ العرب، ويُراد به خيرُ العرب ووحدتهم، وكانت الدعوة إلى ذلك خالصةً لوجه الله: فإني سأكونُ كما هي عادتي فرداً من أفراد الأمة العربية، ولا أهميةَ عندي للرُّتَب والمناصب الجالبة للغرور، وأُقدِّم كلَّ معونةٍ ممكنة في هذا السبيل».. [مجلة الفتح / العدد 312ص 7 في 28-5-1351هـ].. وإلى لقاء في السبت القادم إنْ شاء الله تعالى, والله الْمُستعان.