م. خالد إبراهيم الحجي
إن لغة التفاوض والحوار بشأن القضايا الشائكة أصبحت نهجًا ثابتًا ومستمرًّا للوصول إلى التصالح وعقد الاتفاقيات المناسبة للأطراف المتنازعة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتحرص عليها القوى العظمى، وتطبقها بديلاً للحرب الباردة، وقبل أن يصل الخلاف بينها إلى مستوى التعبئة للحرب والصدام المسلح. ولغة التفاوض والحوار من الدروس المستفادة لصناع السلام التي يمكن تطبيقها بين دول العالم المختلفة للمساهمة بدور فعّال في فض النزاعات الإقليمية، وحل القضايا الدولية، وإنهاء الحروب المسلحة التي تستطيع الوساطات الدولية حلها حلاً نهائيًّا بحيث لا تشتعل جذوة الحروب مرة أخرى. ومناطق الصراعات المسلحة في أمسّ الحاجة إلى الوساطات الدولية التي تضع صيغًا مناسبة للعلاقات بين الأطراف المتنازعة، وتزيد من فرص التصالح بالتوفيق بين الأطراف المختلفة للوصول إلى الحلول المناسبة والاتفاقات المرضية لكل طرف، وفي مقدمتها أو على رأسها الصراع المسلح في اليمن الذي أصبح معقدًا جدًّا؛ لأنه يدور بين الحكومة الشرعية من جهة ومليشيات الحوثي التي تدعمها إيران والمخلوع صالح من جهة أخرى، الذي يدعم تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن من جهة أخرى؛ فتحول أغلب اليمنيين إلى مليشيات مسلحة، ووصل معدل التسليح الفردي في اليمن إلى أربع قطع سلاح للفرد الواحد، وتحولت أكثر المباني الحيوية إلى مخازن للأسلحة المتنوعة وثكنات عسكرية؛ ولذلك يجب على التحالف الدولي لإعادة الشرعية في اليمن بقيادة السعودية استثمار انضمام سلطنة عمان إلى التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي أسسته السعودية أيضًا، وتوظيفه كي تلعب السلطنة دورًا حيويًّا وفعالاً في الاستضافة والوساطة والتفاوض بين الحكومة الشرعية لليمن ومليشيات الحوثي والمخلوع صالح للقضاء على بؤر الإرهاب وتنظيم القاعدة في اليمن. ولكن يجب عدم تحميل سلطنة عمان مسؤولية فوق طاقتها؛ لأن تهدئة النفوس وتهيئة الأجواء المناسبة من خلال الاستضافة والوساطة وتقليل التوتر وجلوس الأطراف المتحاربة على مائدة المفاوضات في حد ذاته يعتبر إنجازًا يمهد للوصول إلى حلول عادلة ومُرضية للطرفين. ومن هذا المنطلق فإن سلطنة عمان مرشحة لتكون الوسيط المناسب لتحقيق التصالح والاتفاق بين الحكومة الشرعية في اليمن ومليشيات الحوثي والمخلوع صالح؛ للأسباب الآتية:
الأول: سلطنة عمان إحدى الدول الست المؤسسة لمجلس التعاون الخليجي، وفي الوقت نفسه تربطها بإيران علاقات تجارية ودبلوماسية قوية.
الثاني: السلطنة لم تشارك مع قوات التحالف الدولية في عاصفة الحزم الذي يجعلها أكثر قبولاً عند مليشيات الحوثي والمخلوع صالح.
الثالث: السلطنة تجيد الدبلوماسية الهادئة والحذرة وسياسة الوساطة الدولية، وقد أثبتت قدرتها على لعب دور المضيف المحايد في ملفات كثيرة، مثل استضافتها المبدئي لملف إيران النووي، وكذلك استضافتها المحايدة لفترة مؤقتة لجمع الأطراف السورية على طاولة الحوار.
الرابع: انضمام سلطنة عمان إلى التحالف الدولي الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب الذي أعلن تأسيسه ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في ديسمبر 2015م عبر إنشاء «مركز التحالف العسكري الإسلامي» في الرياض؛ وبذلك إذا تم التصالح بين الأطراف المتحاربة والوصول إلى اتفاقيات مرضية لكل طرف سيتطلب ذلك من قوات التحالف لإعادة الشرعية في اليمن مهمة مراقبة تنفيذ شروط الاتفاق وعدم الإخلال به من قبل الحوثي والمخلوع صالح كجزء لا يتجزأ من المهام المناطة بقوات التحالف الدولي في عملية إعادة الأمل، وهي: (1): القضاء على العناصر اليمنية التي تخترق المنطقة العازلة بين اليمن والحدود السعودية. (2): تفتيش السفن الداخلة مع بقاء الحصار البحري للسواحل اليمنية. (3): مراقبة المطارات على مدار الساعة ليلاً ونهارًا منعًا لوصول الأسلحة الإيرانية لمليشيات الحوثي والمخلوع صالح. والوصول إلى تصالح على الأراضي اليمنية سيحسب نجاحه للمملكة على حد سواء.