زكية إبراهيم الحجي
يندرج مفهوم الانتماء ضمن المفاهيم القديمة الحديثة.. وهو مفهوم متداول بين جميع شعوب العالم.. لكونه يرمز بمفهومه العام للمكان الذي نشأ وترعرع فيه الإنسان..كما أنه يلامس أحاسيسه ووجدانه من حيث تعلقه بأسرته ومجتمعه ووطنه.. وقد أجمع علماء التربية والاجتماع على وضعه في المرتبة التي تلي الحاجات الأساسية كالمأكل والمشرب والحاجة للأمن والأمان والاستقرار.
وبما أن الأسرة هي المؤسسة الأولى التي يتعلم منها الأبناء الانتماء والولاء؛ لذا علينا أن نخص بالذكر دور الأم..فحضنها الدافئ وكفوفها الحانية وقلبها العطوف ما هي إلا بذور أساسية لنواة الانتماء والولاء..ثم أن صلاح وثبات هذه النواة يبقيها عموداً فقرياً متيناً نحو الانتماء للمجتمع والوطن.
وبما أن الانتماء الأسري هو الحاضنة الأولى لتشكيل وتنمية وترسيخ مفهوم الانتماء لذا سيكون جسراً يعبر من خلاله الأبناء نحو ميادين الحياة ليُترجم مفهومه إلى ارتباط وانتساب للمجتمع وإلى ولاء للوطن الذي ولدوا فوق أرضه وعاشوا تحت سمائه.
إن الرؤية للمنطلقات النظرية لتعزيز الشعور بالانتماء وتربية المواطنة تنطلق من التنشئة الأسرية إن هي زَرَعت في نفوس الأبناء كيف أن عزتهم وكرامتهم لا يمكن أن تتحقق إلا بعزة الوطن والولاء له..لذلك لابد من الإشارة إلى بعض المسئوليات التي ينبغي على الأسرة التركيز عليها لتعزيز مبدأ الانتماء وتعزيز مفهوم المواطنة الصالحة عند الناشئة للانخراط في الحياة والتفاعل مع المتطلبات المجتمعية، ولعل أول ما يأتي على رأس قائمة هذه المسئوليات ربط الطفل بدينه وتنشئته على القيم الإسلامية إلى جانب توعيته بالمخزون الإسلامي العظيم والإرث التاريخي العريق للوطن يأتي بعد ذلك سلوك وأخلاق الأبناء وتربيتهم على حب واحترام الآخرين وتعويدهم على العمل المشترك بعيداً عن كل الإفرازات الفئوية والعرقية والطائفية المقيتة التي انتشرت في عصرنا الحالي واغتنام الفرص من قبل الوالدين للحديث الدائم عن مقومات المواطنة الصالحة والمتعلقة بشعور الانتماء للوطن كالاعتزاز بالرموز الوطنية والالتزام بالقوانين والأنظمة السائدة وتشجيع المنتجات الوطنية والمشاركة في الأعمال التطوعية والتضحية دفاعاً عن الوطن.
الحديث عن الانتماء حديث واسع وطويل ويستحق منا التوقف والتفكر، خاصة ونحن نرى أمماً وشعوباً وجماعات بل وحتى أُسر تتهاوى وهي تفقد انتماءها من بعد ضعف وهوان، ولعلنا نتذكر من باب العبرة أن صراخ الطفل الصغير وإن بدا لنا مزعجاً فإنه محاولة صادقة منه لنيل جرعته المُستحقة من الانتباه ممن يريد الانتماء إليهم، وذلك لبيان حاجة لم نشبعها له بشكل كاف وسليم..واللبيب تكفيه الإشارة.