أ.د.عثمان بن صالح العامر
هناك عوالم تسوِّق نفسها عن طريق الصناعات الثقيلة المتقدمة، وأخرى عن طريق التفوق العلمي، وثالثة من خلال الطب المتقدم والمستشفيات ذات النوعية المتميزة، ورابعة بالسياحة والخدمات الترفيه، وخامسة تسوق لنفسها عن طريق حصد الأرقام العالمية في المنافسات الدولية، وسادسة بتصدير الأيدي العاملة المدربة سواء في مجال التمريض أو الصيانة أو البناء والتشييد أو حتى الخدمة المنزلية، وسابعة بصناعة الإعلام النوعي والتكنولوجيا المتقدمة، وثامنة بالأراضي البكر ذات المساحات الشاسعة الصالحة للزراعة والرعي، وتاسعة وعاشرة و...، ونحن في المملكة العربية السعودية كنا نُعرف من قبل بأننا بلد النفط، فبماذا عسانا نسوِّق أنفسنا في الغد؟.
سؤال ليس من السهولة الإجابة عليه، ولكنني - من منطلق عقدي صرف - أعتقد أن لا شيء يمكن أن نقدمه للعالم إلاّ منهج الحياة الذي امتنّ الله به علينا وجعله صالحًا لكل زمان ومكان، ولكننا للأسف الشديد لم نستطع بعد أن نصوغه في قالب مشروع نهضوي ناضج يتوافق مع طبيعة العصر ويفي بمتطلبات إنسان القرن الحادي والعشرين الميلادي، ليس لعدم كفاءته وقدرته على إيجاد الحلول الناجزة للمشكلات الإنسانية الجاثمة على صدور التربويين والساسة والاقتصاديين والخبراء الاستراتيجيين ومتخذي القرار، ولكن لعجزنا عن تقديمه بصورة حضارية - أخلاقية، تُعلي من قِيَمه الأساس وتبين منزلة الإنسان، جنس الإنسان فيه، وتكريم الرب الخالق له.
لقد ضاعت هويتنا الحضارية التي بها نحقق شرط الاستخلاف لله في الأرض؛ لأننا لم نول الجانب القيمي والأخلاقي فيه القدر الذي يستحقه، ولم تكن منطلقاتنا العقدية الصحيحة حاضرة في الذهن حين كنا نعرّف الآخر بنا، ولذا كانت النتيجة الطبيعية من تشويه للإسلام وعداء للمسلمين، بل تحذير شديد من هذا الدين الذي وُصم - والعياذ بالله - بأقبح الصفات ونُعت بأشد الألفاظ قسوة وخسة.
إننا في مرحلة توجب علينا الاهتمام بالعلوم الإنسانية في جامعتنا السعودية والنهوض بالفكر الإسلامي، وإبراز الجانب القيمي في هذا الدين العظيم، من خلال تقديم مشروع عالمي عملي « صناعة الإنسان « ، ينطلق من بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، يسوّق لهذه البلاد المباركة على أنها قِبلة المسلمين عبادة، وقِبلة العالم بأسرة قيماً ومنهج حياة.
أجزم أن هناك من سيقول إنّ هذا كلام مستهلك ومكرر، ومع ذلك فنحن نعيش في ظل الصدامية الصعبة التي يعاني منها العالم كله جراء تهاوي منظومة القيم الغربية، خاصة الديمقراطية التي هي الأساس للنظام السياسي، وكذا الرأسمالية الأمريكية « الإمبريالية « التي قال عنها « فلاديمير لينين: « إنها أعلى درجات الاستعمار» ، وكذا... وكذا... أقول: إنّ عقلاء العالم يبحثون ويفتشون عن طوق نجاة يرسم لهم خارطة طريق الخلاص مما يعاني منه العالم اليوم من أزمات.
قد لا يكون هذا مطلباً عالميّاً ملحّاً اليوم.. لا يهم، المهم أن يكون لدينا هم تسويق أنفسنا على أننا نمثل الإسلام الحق، وأن هذا الدين يصلح حال البشر كل البشر في الدنيا فضلاً عن الفلاح لمن يعتنقه حقاً في الآخرة.
مَن مِنَ البشر في العالم الغربي سيستهجن ويمقت ديناً يعلي من قيم « الصدق، الإخلاص، الأمانة، الإتقان، الوفاء، عمل الإنسان بيده، الاحترام، الرحمة ....»، وفي المقابل يمقت ويرفض ويجرم الضد؟!!!.
أتطلع لمشروع الملك سلمان القيمي الذي يقدم هذه الأخلاقيات بصورة حضارية في مؤتمرات وندوات وقنوات إعلامية متخصصة، وكتب عالمية مترجمة بجميع اللغات، وما يدريك أن تسويقنا لأنفسنا سينهي عنا شبهة التطرف التي يريد أعداؤنا أن يلصقوها بنا عنوة وبلا دليل. حفظ الله الجميع، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.