د.مساعد بن عبدالله النوح
هكذا تسمي وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية الأسبوع الأول من الفصل الدراسي والأسبوع الأخير من الفصل ذاته، مستندة على مبررات تتفاوت في درجة أهميتها، ودرجة توافرها في المدارس. ولا شك أن هذه التسمية مجازية، أي لا تعني الوزارة المعنى المتعارف عليه للموت موجود بالفعل في هذه الصروح التعليمية، لكنها تعني كما أتصوره الأسبوع الذي ينخفض فيه مستوى الفعالية من جانب عناصر العملية التعليمية داخل المدرسة.
تناولت هذه التسمية كتابات عدة من تربويين وإعلاميين وأعطوها ما تستحق من تغطية. أما نواتج هذه التسمية فلم أر له كبير اهتمام من قبلهم. وما جعلني أتناولها في هذا الحيز هو مقولات يتناولها عدد من الطلاب ولا سيما من جيل النشء. وهنا الخطورة. وأعني بها تكون لديهم اعتقادات بأن أسابيع الفصل الدراسي منها الحي ومنها الميت.
ورصدت هذه الكتابات أسباب التسمية بالأسبوع الميت. ومنها: الطلب غير المباشر من المدارس للطلبة بوجوب الغياب قبل الإجازة. وقبل الاختبار، وعدم إعطاء دروس قبل الإجازة وبعد الإجازة وقبل الاختبار إلا القليل جداً، والغياب الواضح بين المدرسين، وعدم وجود أنشطة ترغيبية تحفيزية للطلبة تجعلهم يقبلون على المدارس بشغف، والإعلام القاتل للهمم الذي جعل الطلبة في سبات عن الهمة والسمو، والأهل الذين يمارسون وزارة جديدة تضع الأنظمة والقوانين فيقررون السفر والاستمتاع والكسل، وغياب العقوبة الرادعة على الطلبة والمدرسين المتغيبين إلا بأوراق تعهد لا تسمن ولا تغني من جوع، وتغيير أوقات النوم أثناء أي إجازة ولو كانت قصيرة المدى مما يشكل إرهاقاً على الطلبة في ضبط نومهم وبالتالي شعورهم بالإرهاق المؤدي للغياب، والتقليد الأعمى لصحبة سوء تمارس سلطة فوضوية على من يسايره، والسخرية واللمز بكل طالب مجد ملتزم بالحضور سواء من أصدقائه أو من المدرسة نفسها أحيانا، وكثرة الإجازات خلال العام الدراسي.
إن الإعلان الرسمي عن هذه التسمية لا يمثل مثبطاً للطالب والبيت، وضوءاً أخضر بعلم الوزارة بتدني فعاليات مثل هذه الأسابيع، بل يعد اعترافاً صريحاً وضمنياً بالقصور في معالجة أسباب هذه التسمية، الأمر الذي ساعد على استمرار التعاطي الأسري معها.
ومن تداعيات الأسبوع الميت: تشكل قناعات لدى التربويين بهذه الحال وأضحوا يرتبون سلوكياتهم التي تنزع إلى الثبات في الأسابيع التالية للأسبوع الأول من بدء الدراسة. ومن الأمثلة: لجان الجداول في الكليات، والمدارس لا تعتبرها مستقرة ونافذة إلا في الأسابيع التالية له.
ومنها اعتبار كثير من الأسر الأسبوع الأول من الفصل الدراسي ضمن الإجازة المنتهية والأسبوع الأخير ضمن الإجازة المقبلة، فتأتي ترتيباتهم للسفر على أنهما إجازتين. وهذه مخالفة صادمة للتعاميم التي تحدد الإجازات، ومنها تشكل اعتقادات غير صائبة لدى الطلاب بعدم وجود فعاليات دراسية خلالهما. ومنها فهم تسمية الوزارة لهذين الأسبوعين بأنه إذن منها لهم بالغياب.
ومنها تسوية المدارس الجادة بالمدارس المقصرة، حيث توجد مدارس تعرف الاستفادة من هذين الأسبوعين على نحو تربوي من حيث الحضور والمراجعة، حتى أن فصولها وممراتها ومكاتب معلميها وإدارتها أشبه بخلية النحل. فحري بمثل قادة مثل هذه المدارس أن ينظموا لقاءات مع المدارس المقصرة.
ومنها تسوية الأسر الحريصة بالأسر غير المكترثة بهذين الأسبوعين، مما يتسبب في تضجرهم، ولا نشك في حرص الوزارة على كسب احترام أولياء أمور الطلاب وثقتهم بقراراتها.
إن إمكانية المعالجة ميسورة، والمسؤولية جماعية على الوزارة والمدرسة والجامعة والبيت والإعلام، فكما أطلقت الوزارة هذه التسمية، تستطيع تصحيح المفاهيم وتعديل الاتجاهات باتباع سبل ومنها:
- تغيير التسمية من الأسبوع الميت إلى الأسبوع الأول، أو الأسبوع التمهيدي والأسبوع الأخير.
- لا يسمح لقادة المدارس والكليات للإجازة إلا بعد الانتهاء من وضع الصورة الأولية للجداول للمحاضرات والحصص للفصل التالي.
- التأكيد على قادة المدارس والكليات بتخصيص الأسبوع الأول من الفصل الدراسي للتعارف بالطلاب وبالمقررات الدراسية، ونظام اليوم الدراسي في المدرسة والكلية.
- توجيه قادة المدارس والكليات بتفعيل المراجعة العامة للمقررات في الأسبوع الأخير.
- تحديد عقوبات صارمة للمعلمين والمعلمات والطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين لا يكونون على رأس العمل في الأسبوع الأول والأسبوع الأخير.
- وضع قائمة بالأعذار المقبولة للمتغيبين في هذه الأسابيع.
- تحديد الجهات التي يصرح لها بمنح رخص للغياب.
- تضمين مسابقة التميز في التعليم مؤشرات عن الانضباط في هذين الأسبوعين.
كثرت المثبطات الدراسية التي تواجه أبناءنا، وتنخر في عزائمهم، حتى انخفضت دافعيتهم للتفوق، فبدلاً من المنافسة الشريفة بينهم في الانتظام الدراسي والتفاعل الصفي وأداء الواجبات وتحصيل العلامات في الاختبارات، صارت المنافسة مقتصرة على الماديات التي بين أياديهم، وبالتالي أصبحوا فارغين شكلاً ومضموناً معرفياً ومهارياً، وفق الله الجميع.