مها محمد الشريف
مع بداية العام الجديد 2017 تتسابق بعض الفضائيات العربية بتقديم برامج تنبؤات الفلكيين ، فالأساس في هذه البرامج والتكهنات التي يزعمون، ترتيب وتنظيم لتوقعات الاقتصاد العالمي للعام الجديد من قِبل الخبراء والمحليين، إذ لا يبدو أنّ عام 2017 سيحمل تغييرات كبيرة على الصعيد الاقتصادي وكذلك السياسي، وسيكون امتداداً لعام 2016، مع تحسن طفيف يختصر فيه الجهد على الخطة الملائمة وخاصة في أسعار النفط.
وعلى أساس نتائج التقلبات السياسية والاقتصادية والصراع مع الغرب ، يزعم هؤلاء بمعرفة دلائلها ومؤشراتها المستقبلية، فيتم عرضها على المشاهد أو القارئ عبر البرامج التي تستضيفهم بدليل التنبؤ ، وبهذا التحليل المسروق يتهافت هؤلاء على الانضواء تحت اجتهادات غيرهم لكي ترتفع أسهم الشهرة عند الجماهير وتنتشر أسماؤهم عبر الإعلام المرئي والمقروء.
ولهذا السبب، لم تَعُد التكهنات غريبة أو مفاجئة بسبب التقلبات الواقعة في الساحة الدولية خلال العشرة أعوام الأخيرة المكتظة بالصراعات، التي يُقاس عليها ما يحدث من نوازل، ويحيل بعض الباحثين ذلك التكهن ، إلى جهل المتلقي وتدني قدرات العقل الواعي. ويجدر بالذكر أنّ هذه التنبؤات بالمستقبل مرفوضة في مذهبنا الإسلامي. كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} ... الآية.
وقد ذكر مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى عرّافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهنًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) .. أخرجه أهل السنن الأربع.
لن تحل عقدة هذه المشاهدات في عصر إنتاجيته تعمل على تأهيل الجسد قبل العقل، وأخذت على عاتقها رعاية التبعية وجذب المشاهد فقط، لأنّ المنطقة العربية غارقة في مسيرات مثخنة بالجراح، ومنهكة بالمتاعب والشعور السيئ. إذ يبدو أنّ الوظيفة العلاجية تعتمد على بعض الأطروحات المستقبلية وتحتاج إلى التطمين .. كما يُشاع بين الناس.
هذا جانب من حقيقة بعض الفضائيات التي تبعد كثيراً عن مفاهيم الانضباط ، وتبث عبر قنواتها تنبؤات تثير مزيداً من الفوضى، وتقدم أخباراً عن الملوك والقادة والشخصيات الرسمية والدول على الشاشات بما ينافي الحقيقة والواقع، وتسوِّقها كعنصر جذب للمشاهد ، وتستمر كبرامج مشروعة في كل عام ميلادي جديد.
وفي المقابل لا تستطيع منع الناس من متابعة مثل هذه البرامج الرخيصة، التي تخرج من الغموض والحقد، تصور مصائر الأمم والدول حسب تقديراتهم المسيسة والمدفوعة، ويقودنا هذا الطرح إلى فضح أكاذيبهم وتأويلاتهم التي تنشر الفوضى في بنية المجتمعات، وفي سياق سابق من العام الماضي كان للفلكيين كلمتهم، حيث توقع أغلبهم أن يكون العام 2016 هو نهاية رئيس النظام بشار الأسد، سواء بالرحيل عن الحكم أو بالاغتيال.
ونجد في مصادر أخرى، نفس التنبؤات والأكاذيب ، ما هي إلا إشارات تدل على عدم القدرة والعجز، وهكذا تصبح حبكة تدخل في نطاق الفكر الديني غير مكتملة تتواطأ على العقول، لإيصال الرسائل المشفرة عبر إعلام في معظمه مأجور، لا يقيم وزناً للاتزان والمسؤولية ، فإذا كان التفاؤل ينزلق لمستنقع هؤلاء فالتشاؤم يُعَد رؤية تصحيحية أو علاجية له.