نعم ليس من المصلحة إرباك الطفل وزعزعة ولائه للغته العربية في وقت مبكر وفي هذا السياق يقول علماء اللغات واللسانيات: «إن المرحلة الابتدائية هي مرحلة تأسيس بالنسبة للطفل في سنه المبكرة التي يبدأ فيها تشكل شخصيته وانتمائه ولذلك فإن التركيز في هذه المرحلة ينبغي أن يكون على الثوابت وأهم الثوابت في هذه المرحلة الدين واللغة العربية»، ويقولون: «إن اللغة الأجنبية ليست ثابتاً من ثوابتنا وليس من الضروري بل إنه من المستهجن أن ندخل في خلد طفلنا الصغير أهمية اللغة الأجنبية في وقت مبكر فنساوي بينها وبين لغته الأم ونجعل الطفل منذ الصغر مرتبطاً بلغة غير لغته تمثل ثقافة ليست ثقافته مما يشوش على الطفل ويربكه لغوياً وعاطفياً ويزعزع ثقته بلغته العربية ويجعله يتشرب ببعض المفاهيم الأجنبية منذ الصغر لأنه ثبت أن اللغات الأجنبية ملتزمة في دراستها وتدريسها برابط بينها وبين ثقافة شعوب تلك اللغات وهذا المنظور في تدريس اللغات تشجعه الدول الاستعمارية»، ويضيف علماء اللغات واللسانيات: «بأن تدريس اللغة الأجنبية في المرحلة الابتدائية جربته دول كالولايات المتحدة وبريطانيا في الستينيات وثبت فشله إضافة إلى كثرة تكاليفه وخطورته على نمو الطلاب اللغوي والعاطفي وولائهم للغتهم وثقافتهم الأمر الذي جعل هذه الدول تقصر تعليم اللغة الأجنبية على المرحلة الثانوية «انظر ص204 من كتاب «اللغة العربية في عصر العولمة للدكتور أحمد بن محمد الطبيب وانظر بحث الدكتور عيد الشمري المنشور في مجلة جامعة الملك سعود العلوم التربوية بتاريخ 1-2-1409هـ عن تدريس اللغة الأجنبية.
وحيث الحال ما ذكر ألا يمكن أيضاً القول: إن الإسراع في اتخاذ قرار بتعلم الطالب لغة غير لغته العربية في وقت مبكر قبل أن يتقن لغته العربية نطقاً وكتابة هو قرار غير موفق وغير رشيد لأن آثاره على الطالب بل على الأمة العربية مدمرة وحيث الحال ما ذكر ألا يمكن القول: إن هجوم اللغة الأجنبية على لغة الطفل العربي كان ردة فعل عدواني أحمق في مواجهة بوادر اليقظة العربية التي تمثلت في الاحتفال والاحتفاء باللغة العربية كل عام وظهور وجهات نظر إيجابية نحو اللغة العربية مطالبة بسيادة اللغة العربية في التعليم العربي ووقوف عقلاء الأمة العربية وعلمائهم وفوق ذلك ولاة الأمر في صف اللغة العربية الفصحى ومن المعلوم أن هذه المواقف الإيجابية إزاء اللغة العربية لا تنسجم بحال مع وجهات نظر أعداء اللغة العربية في الخارج ولا المتساهلين في حق اللغة العربية من الداخل وفي هذا السياق يقول عالم اللسانيات عبد السلام المسدي: «إن العداء الخارجي ليس هو الأخطر على اللغة العربية ولكن العداء الداخلي هو الأشد فتكاً وأبلغ أثراً» انظر كتاب المسدي الصادر تحت عنوان «العرب والانتحار اللغوي»، ويضربون المثل بموقف سعد زغلول وأمثاله وكان ناظراً للمعارف في مصر حينما سفَّهَ موقف النواب المصريين حينما طالبوا بضرورة عودة اللغة العربية إلى التعليم وقد انتصر النواب على موقف سعد زغلول المعادي للغة العربية والمؤيد لما فعله المستعمر من قلب لسان التعليم إلى اللغة الإنجليزية في مصر، ويقول الباحثون: «إن إضعاف اللغة العربية الفصحى وإبعادها في التعليم وفي سوق العمل وفي مجال الخدمات العامة وفي الشركات والفنادق وفي السياحة في البلاد العربية ليس كله من قبل الأعداء الخارجيين الذين كان العرب يعرفونهم ويعرفون أهدافهم ونواياهم وإنما العداء للغة العربية حاصل من قبل أبناء اللغة العربية نفسها ويقولون إن تهميش اللغة العربية أدى إلى التخلف الفكري والعلمي للأمة العربية وأدى ذلك إلى حرمان شباب الأمة من دخول الوظائف التي هم أجدر بها من الوافد ويقولون: إن الغلو في دعوى العولمة والقرية الكونية استغلت لصالح اللغة الأجنبية في الوطن العربي ضد اللغة الوطنية وخدع بها المنظرون للتعليم والثقافة في الوطن العربي انظر كتاب «اللغة العربية في عصر العولمة»، ويقول الباحثون أيضاً: «إن بين العرب مناهضون للتعريب إما عن استكبار أو عن عدم وضوح للرؤية أو عنهما جميعاً» انظص25 من كتاب الدكتور زهير أحمد السباعي، وقديماً قيل (إذا خانك الأدنى الذي أنت حزبه فواعجباً إن سالمتك الأباعد).
وفي السياق أوردت إحدى الباحثات مقالاً بعنوان «جيل عربي لا يتحدث اللغة العربية» جاء في المقال: «بأن جيلاً عربياً قادماً لا يتحدث العربية ولا يفهمها» وتضيف قائلة: «صادقت فتيات خليجيات يستنجدن بي لأعلمهن كيف يقرأن ويكتبن بالعربية بعد أن كبرن وأدركن أن لغتهن «العربية» هي هويتهن وأنها لغة دينهن وقرآنهن، حيث إن الآباء وبحسن نية انخراطهن في التعليم الأجنبي ظناً منهم أنهن سينتجن متحضرين فأدركوا لاحقاً أنهم صنعوا أبناء وبنات تائهين ضائعين يخجلون من هويتهم ولا يملكون هوية غيرهم» وتضيف: «بأنها ضد ذلك الجيل المنهزم معنوياً ذوي اللغة الركيكة والتعبير المتواضع والفصاحة المفقودة لا يستطيع أن يكتب نصاً ولا يلقي خطبة ولا يقنع عربياً ولا حتى أجنبياً بأي موضوع نظراً لشح مفرداته ورداءة تعبيره وضعف ثقته في نفسه وضعف اعتزازه بأصله وهويته» وتضيف بأنها ليست ضد تعليم لغة أجنبية ولكنها ضد من ذكرت من الموصوفين من شباب الأمة العربية المهزومين نفسياً وعلمياً ولغوياً وهوية انظر المقال المنشور في جريدة الجزيرة الصادرة في 24 من شهر رجب عام 1434هـ.
وفي السياق نفسه يقول الباحثون: إن العرب لم يفرقوا بين دراسة اللغة الأجنبية وبين التعليم باللغة الأجنبية وهما مسألتان مختلفتان والجمع بين تعلم اللغة الأجنبية والتعليم بها أضر بالتعليم العربي ضرراً بليغاً لأن تعلم اللغة الأجنبية داعية إليه حاجة العصر ومما لا شك فيه أن التعليم باللغة العربية الفصحى هو المسلك الصحيح وهو الذي اتبعته أمم العالم فنجحوا وتقدموا وخالفهم العرب فعلموا أبناءهم بلغة أجنبية فلم يفلحوا وبقوا متخلفين، نعم إن علاقة العرب باللغة الأجنبية مشوبه بالغلو وسوء الفهم وذلك يقتضي إعادة النظر في هذا الأمر وهو واجب ويكفي ما خسرته الأمة العربية من وقت ومال وجهد، النظرة المعتدلة إزاء اللغة الأجنبية مطلوبة بإلحاح فعلى الأمة العربية أن تجمع بين تعلم اللغة الأجنبية حسب الحاجة وهو مطلوب وفي تعلمها مصلحة وفي نفس الوقت يجب أن تعلم العلوم جميعها باللغة العربية وهو أمر مطلوب أيضاً وفيه مصلحة لأنه يضمن للأمة القدرة على الإبداع والتفوق وهو أيسر على الطالب العربي وهو المنهج العالمي في التعليم، دول العالم فرَّقت بين تعلم اللغة الأجنبية وبين التعليم باللغة الأجنبية فلم تخسر اللغة الأجنبية ولم تخسر اللغة القومية فزكى تعليمها وتفوق طلابها والعرب التبس الأمر عليهم في هذا الشأن فلم يفلحوا وعمي على العرب وجه الصواب في هذا الأمر فخسروا حينما جمعوا بين المسألتين المختلفتين ألا يمكن القول والحال كما ذكر بأن العرب مطلوب منهم المبادرة في التصحيح وسيكون في ذلك فرج ومخرج وحل موفق لأن من المعلوم أن الإبقاء على النهج الخاطئ بعد العلم به وكشفه هو خسران مبين لا تبرأ الذمة به ويأباه النصح للأمة والإخلاص لها مع الأخذ في الاعتبار ضرورة بذل ما في الوسع حيال ترجمة العلوم بجدية وباستيعاب إلى اللغة العربية بحيث يكون متزامناً مع الفصل بين المسألتين بفورية وبشجاعة وحزم وهو إنجاز عظيم وخطوة تاريخية محمودة العواقب، وقديماً قيل: «ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام».
وختاماً نقول: إن الحاجة داعية لإصدار نظام من قبل كل دولة عربية يحدد علاقة الدولة باللغة العربية ويحفظ للغة العربية الفصحى مكانتها ومنزلتها في التعليم وغيره ويحمي لغة الطفل من هجوم اللغة الأجنبية على لسانه إلى أن يصل إلى مرحلة علمية تضمن له إتقان اللغة العربية نطقاً وكتابة أسوة بالأمم الأخرى التي أصدرت أنظمة ملزمة للجميع في مواجهة العولمة وفي مواجهة أعداء اللغة الدستورية.