عروبة المنيف
تشكل ظاهرة الطلاق قلقاً مستمراً في المجتمع السعودي؛ نظراً لضخامتها مقارنة مع الدول الأخرى، حيث شكلت حسب آخر إحصائية لعام 1436 نسبة 35 في المائة مقارنة بعقود الزواج، بينما تتراوح النسب العالمية بين 18 و22 في المائة، وتصدر يومياً في المملكة 127 حالة طلاق؛ بمعدل خمس حالات طلاق كل ساعة!
من المثير للاهتمام دراسة علمية سعودية حديثة أجراها مركز مودة الاجتماعي للإصلاح والتوجيه الأسري، تبين أن نسبة الطلاق لدى الشباب من الذين خضعوا لبرامج التأهيل للزواج قد انخفضت بشكل كبير، فقد بلغت النسبة 1.7 في المائة فقط، وأن 93.3 في المائة من نفس الشريحة يستمتعون بحياة زوجية أسرية مستقرة.
وأشار 74 في المائة من عينة الدراسة نفسها، إلى أنهم استفادوا من تلك الدورات الخاصة ببرامج التأهيل للزواج بدرجة عالية جداً، فيما يخص المهارات المتعلقة بالجوانب الأسرية والنفسية والاجتماعية، وأفاد 87 في المائة من تلك العينة بأن زواجهم ناجح بكل المقاييس، بينما نصح 94 في المائة من عينة البحث الشباب الآخرين بأهمية الحصول على تلك الدورات التأهيلية قبل الزواج لما اختبروا من فائدة عظيمة لها في حياتهم الزوجية.
إن الإستيراتيجيات التي تهتم بالجوانب الوقائية لها دور عظيم في رفع الوعي وزيادة المهارات الخاصة بقضية الدراسة، ويظهر ذلك بشكل جلي من خلال النتائج الإيجابية للمؤشرات الخاصة بقضية الدراسة، لذلك هناك حاجة ملحة للبرامج التوعوية التأهيلية في قطاعات لها دور حيوي في الرفع من المستوى الإدراكي والفكري والذهني للمواطنين كوزارة الشؤون الاجتماعية والتعليم والجمعيات الخيرية لتأثيرها المباشر على السلوكيات الفردية والتنمية الذاتية، ولا سيما أن هناك نسباً مرتفعة كذلك لبعض المؤشرات الاجتماعية الأخرى غير الطلاق التي يعاني المجتمع من تداعياتها السلبية كذلك، كالعنف الأسري والعضل وتكافؤ النسب وزواج القاصرات والولاية وغيرها من قضايا اجتماعية تهدد الأمن الوطني الاجتماعي.
تشير الإحصاءات المعلنة أيضاً إلى أن 60 في المائة من حالات الطلاق تقع في السنة الأولى من الزواج، وهذا مؤشر حيوي يساهم في توجيه القائمين أيضاً على برامج التأهيل بتوعية المقبلين على الزواج، ونصحهم بتأخير خطط الإنجاب على أقل تقدير لمدة سنة واحدة حتى يتم التأكد من انسجام الزوجين وتوافقهم واستمرارية العيش فيما بينهم، وسيقلل بالتالي ذلك القرار من نسب القضايا المرتبطة بالطلاق وتعقيداتها كالنفقة والحضانة وغيرها، ما يساهم في تحسين المؤشرات الاجتماعية الأخرى المرتبطة بها.
تتداخل القضايا والمؤشرات الاجتماعية وتصب في بعضها البعض وتتشعب تداعياتها الاجتماعية والأمنية، لذلك فالتدخل في حل إحدى تلك القضايا وتحسين مؤشراتها سيسهم بتغيير مؤشرات اجتماعية أخرى بشكل إيجابي، ما يؤكد أهمية برامج التأهيل التوعوي وضرورة تكثيفها وانتشارها في الهيئات والوزارات الحكومية والقطاعات الأخرى ذات العلاقة كذلك وبالتعاون مع المراكز والجمعيات المتخصصة في تقديم تلك البرامج لدورها المهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي وتحسين المؤشرات الاجتماعية على كل المستويات.