«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
تعلمنا منذ الصغر في البيت والمدرسة أن البيت والمدرسة وجهان لعملة واحدة؛ كلاهما يساهم في التربية والتعليم للأبناء كافة، بدءًا من الحضانة، ومرورًا بالمرحلة الابتدائية، ووصولاً للمرحلة الجامعية. والحياة الاجتماعية تفرض على الأولاد، وحتى البنات، من خلال الاحتكاك بالآخرين، اكتساب عادات سيئة وتصرفات غير معقولة، وربما تكون شاذة؟! ومع تعود هذا الفتى وتلك الفتاة على عادات وتصرفات يكون كلاهما معرضًا للانحراف، والخروج عن المألوف؟! ومن هنا نجد كيف انساق البعض من أبناء وطننا وغير وطننا إلى مستنقعات الانحراف والشذوذ، وحتى ارتكاب الجنح، ما صغر منها وما كَبُر؟! وكما هو معروف، فإن للأسرة دورًا كبيرًا في منع الأحداث من الانحراف، وإن للتعليم أو المدارس كلها دورًا لا يقل أهمية عن ذلك، إن لم يكن أكبر وأشمل وأقوى تأثيرًا؛ بحكم ما يتوافر في المؤسسات التعليمية من إمكانات وقدرات وعناصر مؤهلة للتوجيه والإرشاد، وبحكم ما تملكه المؤسسات التعليمية من قوة في فرض تعليماتها؛ بحكم تحكمها ومراقبتها طلابها وطالباتها، وتوظيف ذلك في درجات السلوك والمواظبة، بل حتى التقدير النهائي لكل طالب أو طالبة.. من هنا فهي تستطيع أكثر من البيت أو الأسرة فرض التعليمات، وتعويد طلابها على حسن السلوك، واكتساب الأخلاق الحسنة التي تشرف الطالب نفسه، ومن ثم أسرته ومجتمعه.. فالتعليم من خلال أجهزته قادرٌ على أن يتجاوب مع توجهات الطلاب بصورة علمية مدروسة بناء على نتائج المراقبة والمتابعة للعملية التعليمية والتربوية. وكما هو معروف، فالطالب يقضي ساعات طويلة في مدرسته أو كليته أو معهده.. وهذه الساعات تشكّل علاقات جديدة، يكون تأثيرها التوعوي والإرشادي والتعليمي أكثر من أسرته؛ بحكم أن الأب بات في هذا الزمن مشغولاً بعمله والتزاماته الحياتية، وكذلك والدته إذا كانت تعمل؟ ومعروف لدى الجميع أن الأحداث هم الفئة العزيزة من أبناء الوطن، الذين لم يبلغوا سن الرشد، التي تحددها دول العالم بـ18 سنة. وهناك من يفرق بين مرحلتين أو ثلاث مراحل، كما يشير إلى ذلك العلماء وخبراء السلوك البشري وحتى الاستشاريون المتخصصون في هذا المجال؛ إذ يشيرون إلى المرحلة ما قبل الحدث بين السابعة إلى الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من عمره، والثالثة من الخامسة عشرة إلى السادسة عشرة أو الثامنة عشرة؟!
وتتركز عوامل جنوح وانحراف الأحداث في الآتي:
العوامل الشخصية: وهي مجموعة من العناصر التي تشكل المقومات البيولوجية والنفسية للحدث، سواء كان فتى أو فتاة. والحالة الصحية وتاريخه المرضي. أما بالنسبة للعناصر السيكولوجية فهي عناصر مكونة للعناصر الشخصية، سواء الشعورية منها أو اللاشعورية، كما يشير إلى ذلك موقع (readingcraze). كذلك العوامل البيئية الداخلية، ويُقصد بها العوامل البيئية الأسرية، كالعلاقة بين الأبوين، وانفعال أحدهما، أو وفاة أحدهما. كذلك الحالة الاقتصادية للأسرة وأنماط السلوك السائد فيها من تدليل أو قسوة. وهناك العوامل البيئية الخارجية، وهي عوامل مختلفة، تتكون من السكن والجيران والمدرسة وأنظمتها والأصدقاء والمعارف.. إلخ.
وعلى ضوء ما كتبناه سابقًا عن العوامل التي تؤدي إلى جنوح الأحداث يتضح لنا أهمية دور المؤسسة التعليمية في القضاء على ظاهرة الانحراف؛ فالتعليم من خلال المدرسة والكليلة والجامعة، التي يتردد عليها الطالب أو الطالبة كل يوم بعيدًا عن أسرته والمؤسسة التعليمة، مسؤول بشكل خاص عن وقاية الأحداث والطلاب؛ لذلك فدوره أكبر من البيت، ويقع عليه الدور الأكبر بما يعمله، وكما أشرنا من إمكانات وعناصر وأنظمة مختلفة؛ لذلك يجب على المدرسة الاهتمام بالطالب من المرحلة الابتدائية أو قبل ذلك لاحتوائه مبكرًا، وتوجيهه التوجيه الحسن، وشغل وقت فراغه بالهوايات والأعمال اليدوية والفكرية لإبعاده عن التفكير في أشياء قد تدفعه إلى ما لا تُحمد عقباه، أو الاندفاع خلف ممارسات تؤثر عليه حاضرًا ومستقبلاً..؟!