إبراهيم عبدالله العمار
ستجد في القصص التاريخية نمطاً يتكرر: الأحداث الكبيرة هي نتيجة نية وتخطيط. سواء تتويج ملك أو حرب ضَروس أو حادثة كبيرة، نظن أن النقاط الكبيرة في خط الزمن أتت بعد تسلسل طبيعي، لكن الحقيقة أن بعض أهم أجزاء التاريخ أتت نتيجة مصادفات وأخطاء وغرائب!
خذ تايتانيك مثلاً. قصتها مشهورة هذه السفينة التي غرقت عام 1912م بعد أن ارتطمت بجبل ثلجي لم ينتبه له الطاقم في وقتٍ كافٍ ليتجنبوه. لكن الشيء العجيب هو أن أحد أفراد الطاقم وهو ثاني أعلى موظف رتبة كان يفترض أن يصاحبهم في الرحلة، لكن في آخر دقيقة استبدلوه، ولما غادر السفينة قبل انطلاقها نسي مفتاح الأدراج في جيبه، والمصيبة أن أحد الأدراج كان يحوي منظاراً مقرّباً خاصاً كان يقدر أن يكتشف جبل الجليد قبل الارتطام ويعطي السفينة فرصة كافية للنجاة!
وانظر لما حدث عام 1620م، فكانت سفينة «ميفلاور» تحمل طائفة من الإنغليز، وهي زمرة من الانفصاليين ممن تركوا الدولة الإنغليزية وهاجروا كمسافرين دينيين ليفروا من الاضطهاد الذي مارسه الملك جيمس ضد كل من لم ينتمِ لطائفته، فأخذت هذه الطائفة أمتعتهم وأهلهم وأبحروا بعيداً باحثين عن مكانٍ آمن من بلدهم الأم، ونووا الهجرة إلى الأرض الجديدة التي بدأوا يسمعون بها وهي أمريكا الشمالية، وقصدوا منطقة فيرجينيا، وأثناء إبحارهم هبت ريحٌ قوية حرفتهم عن مسارهم، ولكن بدلاً من أن يبحثوا عن منطقة أفضل ليسكنوا فيها قرّروا أن يتوقفوا فوراً عند أقرب مكان رأوه هو منطقة ماساشوستس. السبب؟ لأن البيرة نفدت! أمر غريب لكن حقيقي، فقد كتب أحد هؤلاء في مذكراته: «لم نكرّس وقتاً للمزيد من الإبحار والاستكشاف، فقد نفد طعامنا، خاصة البيرة». كانت البيرة هامة لهم لأنها جزء أساسي من الغذاء اليومي، وكانوا يعشقونها ويهتمون بها، أكثر حتى من الماء! والسفينة كانت محمَّلة ببراميل كبيرة من البيرة، ولما شارفت على النفاد قلقوا ورأوا أنها حالة طارئة تستحق الوقوف، فنزلوا هناك وأقاموا مصنعاً صغيراً للبيرة، وكانت تلك من أوائل المستعمرات الإنجليزية لأمريكا الشمالية، وما زالت تلك المدينة - بليموث - قائمة اليوم في ولاية ماساشوستس.
ويبدو أن البيرة كانت محبوبة للكل هناك وليس فقط الانفصاليين الإنغليز هؤلاء، والدليل أن الهنود الحمر القريبين منهم فاجأوهم في مستعمرتهم الصغيرة ذات يوم وسألوا الإنجليز: «هل لديكم بعض البيرة؟»!