جاسر عبدالعزيز الجاسر
في نهاية الستينيات وفي أوائل السبعينيات الميلادية غادر طلال سليمان دولة الكويت التي كان يعمل فيها صحفياً ليحط الرحال في بلده وبالتحديد في بيروت وفي عام 1974 أنشأ جريدة السفير التي أطلت على القراء قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية التي اشتعلت عام 1975.
يومها كانت صحيفة النهار تتزعم الصحافة اللبنانية وتنافسها من بعيد جريدة الأنوار لتصدر السفير فتصبح المنافس القوي للنهار ذات الاتجاه الليبرالي واستقطبت السفير أصحاب المزاج اليساري والقومي، ولأن لبنان يتقاسمه في ذلك الوقت ما أسموه بالتيار الوطني والذي تكون من تحالف المقاومة الفلسطينية والجماعات اليسارية والقومية، فيما تخندقت الجماعات والأحزاب المسيحية من الكتائب والأحرار وغيرهم من مؤيدي فرنجية وإلى جميل وكميل شمعون وغيرهم في جبهة مضادة شكلت الطرف الآخر في الحرب الأهلية التي دفعت بمناصري الطرف اليساري والقومي الذي أضعف الثورة الفلسطينية إلى الإقبال على صحيفة السفير التي أصبحت شبه الناطقة باسم الأحزاب اليسارية والقومية، ومع أن طلال سليمان حاول أن يكون مستقلاً عن تسلط القيادات الفلسطينية والأحزاب اليسارية، إلا أن احتضان التيار اليساري والوطني والفلسطينيين لصحيفة السفير ووجودها مكاتب ومطابع في غرب بيروت جعلها على بعد لأحد أطراف الحرب الأهلية اللبنانية وكون ذلك الطرف مدعوماً من أنظمة قومية وثورية ويسارية معروفة، فقد نال صحيفة السفير أسهم الاتهامات فاتهمت بتلقيه تحويلاً من نظام القذافي والأسد وبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية انضم النظام الإيراني إلى جهات التمويل ليصبح في نظر ما تبنوا اتهام التمويل الممول الأوحد عبر ممثله حزب الله لصحيفة السفير، ويربط هؤلاء اتهاماتهم بأن طلال سليمان لم يكن لديه القدرة المالية لإصدار صحيفة قوية مثلما أصدرت السفير عام 1974 وتنافس صحيفتي النهار، القلعة التي طورها غسان الثويني، والأنوار إحدى مطبوعات آل فريحة التي تصدر الصياد والشبكة، وغيرها من المطبوعات المتخصصة، فطلال سليمان عاد من الكويت بعد أن أبعد منها بعد أن قررت السلطات في وقتها إبعاد عدد من الصحفيين الذين يخدمون توجهات بعض الأنظمة العربية وكان ضمن قائمة المبعدين طلال سليمان وقد فجّر سليمان فضيحة كبرى طالت العديد من الصحفيين العاملين في الكويت جلهم من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والمصريين فقد كتب أحد الصحفيين الذين كان يتعامل مع الجهة التي تراقب عمل الصحفيين مقالة يشمت بها بمن تم إبعادهم من الكويت ومنهم طلال سليمان، فما كان من طلال سليمان إلا أن يرد على ذلك الصحفي رداً أثار ضجة كبيرة في لبنان والكويت والدول التي ينتمي إليها أولئك الصحفيين بأن نشر قائمة بأسماء الصحفيين الذين يتعاملن مع الجهات التي تراقب عمل الصحفيين والمكافآت التي كانت تصرف لهم وقال طلال سليمان فيما نشره إنه كان يتقاضى 80 ديناراً مكافأة لتعاونه وأن من كتب يشهر بالمبعدين من الصحفيين كانت مكافأته 50 ديناراً فقط، وأنه أقل فائدة منه حتى للذين يخدمهم هذا التندر كان سلاح المناوئين لطلال سليمان الذين يقارنون بين تكاليف إنشاء صحيفة ظهرت قوية بمكاتب فارهة ومطابع متطورة وإمكانيات صحفي مبعد، ويذكرون طبعاً دون أن يقدموا ما يسند أقوالهم بأن أنظمة معينة وراء إصدار السفير، ومن نظام معمر القذافي وحكومتي حافظ الأسد وملالي إيران، وقد استند من أتهم صحيفة السفير على مواقف الصحيفة ومساندتها للقذافي، وخميني، وحافظ الأسد، والتي ظلت على مواقفها حتى انهار نظام القذافي وظلت على ولائها لنظامي دمشق وطهران ويرى هؤلاء بأن الصحيفة عانت بعد أن جفّ ضرع طهران وتوقف تمويل دمشق وقطع ما كان يأتي من طرابلس وبعد أن حاول حسن نصر الله عبر ما يصله من ملالي إيران تعويض ما يمكن تعويضه ظلت الصحيفة تحاول حتى عجزت عن البقاء بعد أن تكالبت عليها الظروف السياسية حيث لم يعد صوت لبنان ولا صحافتها مؤثراً كما أدت الأوضاع الاقتصادية على تدني إيرادات الإعلانات والظروف الاجتماعية على تراجع المبيعات لتعلن الصحيفة وفاتها في اليوم الأخير من العام الميلادي 2016 بعد انقضاء اثنين وأربعين عاماً من الصدور.