تحت إشراف فايزة الحربي قامت الطالبات (فاطمة قاسم، هلا الدوسري، إلهام عبدالعزيز، صابرين محمد، أروى العتيبي وهيفاء آل حوباء) من طالبات الثانوية الـ101 بالرياض بإعداد هذا التحقيق عن مشروع طلابي ضمن النشاط اللامنهجي للثانوية الـ101 بعنوان «لننجو معًا،» الذي سلط الضوء على بعض الجوانب المهمة حول الفكر المتطرف، وحول القضية ومدى اهتمام المسؤولين وأولياء الأمور والشباب بها. وقد أجرت الطالبات لقاءات من شرائح المجتمع المختلفة، التي خلصت في مجملها إلى أن أبرز أسباب التطرف الفكري هي الألعاب الإلكترونية الحربية، إضافة إلى إهمال التربية والتوجيه من قِبل الآباء والمربين لأبنائهم. ويتضمن المشروع فيديو توعويًّا قصيرًا ومشهدًا تمثيليًّا وعرضًا لأخطر الألعاب الإلكترونية العنيفة، مع توزيع منشورات من إعداد الطالبات، ومشاركة من برنامج «فطن»، وإذاعة مدرسية ومسابقات، وتوزيع استبانة بحثية.
في البداية التقت الطالبات أستاذ علم النفس المشارك رئيس مؤسسة إنماء التعليمية الدكتور علي بن صديق الحكمي، الذي تحدث عن الأسباب التي تؤدي إلى التطرف قائلاً: لا يمكن عزو التطرف إلى عامل واحد فقط، بل هناك عوامل عدة تعمل مجتمعة لذلك. أول هذه العوامل الاستعداد الشخصي للفرد؛ فهناك أشخاص نظرًا لتنشئتهم الاجتماعية التي ربما لم تركز على تنمية شخصيتهم المستقلة، وقدرتهم على تقدير عواقب الأمور، واتخاذ القرار المناسب، أو التحكم في الغضب والإحباط، وتحويله لطاقة إيجابية، تدفع للعمل والإنجاز بدلاً من العنف والتخريب.. هؤلاء الأشخاص قد يكون لديهم الاستعداد أكثر من غيرهم للوقوف في التطرف العنيف إذا ساعدت على ذلك العوامل الأخرى. أما العامل الثاني فهو الوضع الحالي الذي يكون فيه الشخص في وقت معين، والظروف الآنية المحيطة به في ذلك الوقت، مثل المواقف التي يتعرض فيها الشخص لضغوط الأقران والأصدقاء لممارسة سلوك معين، أو وجوده في مجموعة تمارس السلوك الخطأ. أما العامل الثالث فهو المنظومة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي يعيش فيها الشخص، بما في ذلك القوانين والأنظمة والمعايير المجتمعية؛ فهي قد توفر رادعًا للشخص عن الوقوع في التطرف العنيف وغيره من السلوكيات غير المرغوبة. ومن المهم التركيز على أن هذه العوامل تؤثر بطرق متفاوتة على الشخص لوقوع الشخص أو عدم وقوعه في التطرف العنيف.
وأضاف الحكمي: إن التطرف العنيف يقوم على أفكار تحرض على ذلك، وتشجعه، وتقدم له التبرير، وتعرضه على أنه شيء «شرعي» على حد زعم من ينشر تلك الأفكار. وبما أنه يقوم على أفكار فتعتبر الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الهواتف النقالة من أهم وسائل نشره، والتعريف به، والاستقطاب للجماعات المتطرفة. وهذه الوسائط لها تأثير خطير، خاصة أنها تكون مصحوبة بالصوت والصورة، وتمكّن من التواصل المباشر مع المصدر حتى لو كان مجهولاً. ويقابل ذلك ضعف النشء في إدراك خطورتها، وأساليب التحقق من المصدر ومصداقيته المعلومات التي يتعرض لها.
وشدد الحكمي على ضرورة تحصين النشء والشباب من الفكر المتطرف الذي يتطلب تضافر جهود المجتمع بكل أفراده ومؤسساته الرسمية والخيرية، إضافة إلى المجتمع والمدرسة والأسرة. ويبدأ التحصين بوضوح الرؤية لدى الجميع عن الفكر المتطرف، وخطره، وأساليب انتشاره، وتوحيد الخطاب الديني والتربوي والإعلامي في مواجهته والتعامل معه، والتركيز على البرامج الوقائية التي تمكّن النشء من امتلاك السمات الشخصية والمهارات التي تمكنهم من اتخاذ القرار الصحيح ونمو شخصياتهم المستقلة وتفكيرهم الناقد.. وللأسرة دور كبير في وقاية النشء من التطرف، وذلك بتماسك الأسرة واهتمامها بجميع أبنائها وبناتها، ومتابعتهم، وتوفير الرعاية والمحبة والعطف الذي يحتاجون إليه لنمو شخصيات سليمة ومعتدلة.
من جانب آخر، أكد سعيد مفرح الحوبان، العسكري في قطاع قوات الأمن الخاصة، أن الأسباب التي تؤدي إلى التطرف الفكري تتركز في بعض الأساليب التربوية الخاطئة، إضافة إلى وسائل الإعلام وبعض الألعاب الإلكترونية العنيفة؛ لما فيها من حث على القتال، مع التشديد على خطورة التواصل مع الغرباء عبر اللعبة. ويؤكد الحوبان أن برامج التواصل الاجتماعي من الأسباب الرئيسة لاعتناق الفكر المتطرف؛ لما فيها من تحريض على القتال بحجة الجهاد في سبيل الله. وهذا أمر لا صلة له بالدين والجهاد.
وتؤكد نجلاء الغانم أن التوعية الإعلامية في مجتمعنا - للأسف - لم تفِ بالحاجة المطلوبة للقضاء على انتشار الفكر المتطرف، وتطالب بإقامة حملات توعوية في المدارس، وإنشاء أماكن للشباب والأطفال والفتيات لقضاء أوقات الفراغ بما يعود عليهم وعلى الوطن بالنفع والخير. وطالبت الغانم بضرورة تشديد الرقابة على وسائل التواصل ووسائل الإعلام، وتوعية الأسر بأهمية حماية أبنائهم من الفكر الضال. وأرجعت الأسباب التي تؤدي إلى التطرف الفكري إلى التربية العنيفة، وعدم اهتمام الأسرة بالرقابة على وسائل الإعلام بكل أنواعها المختلفة.
أما عمر سعيد الحوبان - وهو طالب في المرحلة الثانوية - فيرى أن بعض الألعاب الإلكترونية تعرض العنف والقتال، وفي بعضها يتواصل الأبناء مع أشخاص لا يعرفونهم، وقد يجرونهم إلى العنف أو إلى التأثير عليهم ببعض الأفكار المتطرفة. ويؤكد ذلك أيضًا عبدالرحمن محمد حمدان العتيبي الطالب في جامعة الإمام محمد، وقال: أحيانًا بعض الألعاب تكون حربية بحتة، ومع تطور طريقة التواصل بين اللاعبين - وليس جميع اللاعبين من المتطرفين - يؤثرون في غيرهم من صغار السن. وأكد العتيبي أن من الحلول الناجحة لمواجهة الفكر المتطرف ومنع انتشاره إبراز دور الأسرة بالغ الأهمية بمراقبة أبنائهم وكثرة مجالستهم؛ لأنهم من خلال تنمية التحاور مع أبنائهم يمكنهم قراءة أفكارهم، والتعرف المباشر على مدى تأثر أبنائهم بالأفكار المنحرفة والمتطرفة.
وفي المجال نفسه بتأكيد ضرورة دور الأسرة يشيد أحمد الشلهوب الطالب في المرحلة الثانوية بأهمية اهتمام بعض الأسر بتوجيه أبنائهم مع توضيح الأمور الصحيحة من الخاطئة لأبنائهم، وترشيدهم. وهناك بعض الأسر لا تهتم بذلك. وهذا الإهمال يسهل دعاة الفكر المتطرف لنفث سمومهم بين أبناء هذه الأسر. ويبيّن الشلهوب أن من أهم الأسباب في انتشار الفكر المتطرف الألعاب الإلكترونية (الحربية)؛ لأنها من أسهل الوسائل لغسل دماغ الشباب، وتجنيدهم، وهي موجودة في كل منزل.
من جانبها، أكدت مرح حجادي الطالبة في المرحلة الثانوية أن بعض الألعاب تعمل على دفع بعض الشباب إلى الفكر المتطرف، وتسبب بعض المساوئ على المجتمع بالكامل.
ومن جانبها، قالت وقار عمار الطالبة في المرحلة الثانوية: لقد أصبح الشباب اليوم يقضون ساعات طويلة جدًّا أمام تلك الألعاب الإلكترونية، ويتكاسلون عن العمل وحضور ما ينفع ويفيد في دنياهم وأخراهم. وقد يتأثرون كثيرًا بهذه الألعاب؛ لما تثبه من أفكار وصور، قد تكون غير مباشرة؛ ما يؤثر عليهم بدون شعورهم بالخطر.