صامطة - عبدالله عكور:
بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الفراق، ساهمت (الجزيرة) في لم شمل مواطن وإخوانه من الرضاعة في محافظة صامطة. فحينما كان هادي يهم للتبرع بالدم في أحد المهرجانات بجازان، لم يكن يخطر في باله أنه سيجد أسرته تلك مرة أخرى، إذ اجتمع في العربة المتنقلة للتبرع مع محرر (الجزيرة) وهو لا يعلم أنه سيكون خيط الوصول.. بادر هادي قائلاً: لي أخت من الرضاعة عشت معها، ولم أرها منذ ولادتي قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، وأبحث عنها ولم أستطع العثور عليها.
عرض المحرر على هادي المساعدة، وطلب منه اسم والد البنت التي رضع معها، وبالفعل أعطاه الاسم، ثم سأله: كيف عرفت أن أمك من صامطة؟ فأجاب: كنت وأنا طفل كثير اللعب والحركة، وكان والدي كلما هَمَّ بضربي، تقول له أمي: اتركه هذا أرضعته الصامطية.. حينذاك لم أكن أعرف ماذا كانت تقصد بالصامطية، حتى مرت السنون وكبرت، وتمنيت أن أرى الأم التي أرضعتني، وها أنا ذا أبحث عنها. فتش المحرر عن رقم والد الأخت، وخلال 48 ساعة وصل إلى رقم جوال ابنه الطبيب حسن، مدير أحد مستشفيات المنطقة، فطلب منه رقم الوالد، وبعد سؤال وجواب تواصل مع الأب وسأله عن الواقعة.. لم يتذكر الرجل شيئاً، وقال: أمهلني لعلي أتذكر.. ثم عاد واتصل مرة أخرى، مؤكداً الواقعة تماماً، ولكنه تأسف لأنه لا يعرف اسم الطفل الذي رضع من زوجته ولا معلومات عنه ولا عن أسرته سوى المكان واسم المستشفى. بعد أن سمع هادي هذا الكلام استبشر خيراً، فقد لاح له الأمل بأنه سيرى أمه وإخوانه.. إنها لحظة وجدانية ومشاعر يصعب وصفها ينتظرها ولم يكن يتوقعها. أبلغ هادي والده وأمه أنه عثر على أسرته من الرضاعة، وسيلتقي بها قريباً.
مرة ثانية اتصل محرر (الجزيرة) بالدكتور حسن، وشرح له الموضوع كاملاًً، فطلب وقتاً ليسأل والده وأخته وأسرته عن هذه القصة، ليؤكدوا له أنها حدثت بالفعل.
هاتف هادي وهو يحبس الأنفاس محرر الجزيرة مستفسراً: متى اللقاء؟ متى أرى أمي ووالدي وإخواني؟ وكانت مفاجأة محزنة أن علم أن الأم ماتت منذ أكثر من عشر سنوات.. صدم هادي من هذا الخبر فطلب صورة لها.. ثم اتصل الدكتور حسن متشوقاً لرؤية أخيه من الرضاعة والذي لا يعرف عنه شيئاً: «كم أنا متشوق لذلك».
وحانت ساعة اللقاء، وحضر هادي برفقة والده الحقيقي وأمه وأخته وزوجته، يرافقهم مراسل الجزيرة لمنزل والده وإخوانه من الرضاعة، وهناك تعانق الجميع وذرفت الدموع في مشهد وفاء أسري جميل، مقدمين شكرهم لجريدة (الجزيرة) التي ساهمت في جمع الإخوة بعد سنوات تجاوزت الثلاثين عاماً من البحث والسؤال.