عبد الله باخشوين
عندما قررت العودة لـ((دكان حامد أبو خسفة)) وقصة ((بكائية الليل والنهار))، وكنت بما أنا عليه ((حالياً)) وجدت ان الزمن قد انفرطت مسبحته.. وتناثرت حباتها على شكل أبناء وأحفاد وحيوات جديدة -قديمة.
- هل علي أن أعيد كتابة القصة من جديد؟!
انا لم اعتد هذه اللعبة.. ولا أعيد كتابة ما كتبت ولا أجيد القيام بهذه المهمة لاستحالة ذلك.. ووحده الخالق سبحانه من امتلك هذه الصفة.. وهذا الحق.. وهذا الإعجاز.
- يبدأ الخلق ثم يعيده.
ويا له من إعجاز تحدى به كل مخلوقاته.. فأصبح من المستحيل إعادة كتابة قصة وهي مجرد قصة.. فما بالك بالأشياء الأخرى الأكبر والأكثر تعقيداً.. فأنت إذا حدقت في شجرة ((رمان)) مثلاً.. فستجد ان العلم يؤكد أنه لا توجد ((حبتان)) متماثلتان تماماً.. أما إذا قرر الاقتراب والدخول وفتحت حبة ((الرمان)) فسوف تجد ان إعجاز ما بداخلها أكثر تعقيداً.. لأنك لن تجد في ((فرط)) حبة الرمان أي نواتين أو بذرتين أو لا أدري ما يسمى ما بداخل الرمان من فرط.. لكن الأمر الآخر يتعدى حدود العلم والتعلم.. لأن الأمر يصل إلى آفاق بعيدة جداً.. تتجاوز القدرة على استيعاب أمثلتها.. وإذا عدنا لـ((فن)) الكتابة.. فسوف نجد أن العمل الفني إذا أهمل أو تلف أو تجاوزه الزمن.. فإنَّ كاتبه يصبح عاجزاً عن القدرة على إعادة كتابة ((نسخة أخرى)) منه.. ولو كان ذلك بعد يوم واحد من فراغه من كتابة العمل الأول.. فما بالك إذا تقادم الزمن.. وانتهت الحالة الفنية.. أو الضرورة التي أنتجته.. لأن حالة ((إعادة الكتابة)) تدخل في مرحلة فعل فني جديد.. تنتج ((بالضرورة)) عمل فني جديد.. قد يشبه العمل الأول لكنه لا يماثله نهائياً.
لذلك بعد أن أعدت قراءة رواية قديمة كتبتها قبل سنوات طويلة بعنوان ((جبل الحبالى)) وجدت انها لا تصلح للنشر لأنّها كتبت بأسلوب ركيك.. يمكن ان يسيء بدلاً من ان يكون إضافة وأدركت انه لا يمكن إعادة كتابتها.. لأنّها لا تعبر عني حالياً.. لكنها تعبر عن المرحلة التي كتبت فيها وعن الهموم التي دفعت لكتابتها.. ولو أني اقتربت منها فسوف أخرج منها بعمل جديد لا يشبه مطلقاً ما كنت قد كتبت.
عندها عدت لـ((دفاتر)) رواية ((المسكون)) فأدركت أن الساكن والمسكون قد تغيروا جميعاً ولم يبق من تلك الرواية التي أحببت فكرتها إلا كتابات لعباقرة كتبوا في نفس موضوعها أعمالاً نشرت قبل أكثر من مئة عام.. أما في زمن التقنيات الحديثة.. فإنَّ فكرة الكتابة نفسها لعمل روائي أو قصصي أصبحت تحتاج لإعادة نظر.. فإذا كانت دولة مثل الإمارات العربية تريد ان توجد قنوات جديدة لحث الناس على القراءة خصوصاً الأطفال، فنقول ان هذه التجربة المشكورة تأخرت عن موعدها أكثر من عشرين عاماً.. وان علينا إعادة النظر في مفهوم القراءة.. التي لم تعد تهم إلا من خلال عدم وجود بدائل لها لتعليم الأبجدية واعتقد ان القراءة الحرة لا مجال لها إلا من خلال دمجها في برامج التعليم ومناهجه، وهذا يحتاج إلى فكر جديد ونظرة جديدة لمفهوم التعليم أما وفق التقنيات المتاحة فإنَّ بدائل القراءة أصبحت هي ((الأسس)) الجديدة للثقافة وليس الكتاب.
وأغلب ظني أن على الكتاب إعادة صياغة علاقتهم بالكاميرا والسينما وكل أدوات ((التحريك)) للصور وأفلام ((الكارتون)) لأنّها تشكل البديل المثالي والفعال لكل أساليب الإبداع التي ما زالت تعتمد الورق والقلم لتنتج كتباً لا يكاد يطالعها أحد.