هاني سالم مسهور
يُرشدنا التاريخ دائماً إلى مفاتيح الحلول السياسية للأزمات السياسية اليمنية التي لطالما نجحت في تفكيكها وإعادة اليمن إلى أوضاع أكثر استقراراً تسمح للحياة السياسية بالممارسة بحسب التقاليد اليمنية، في هذا الجزء لا يمكننا تجاوز (معاهدة الطائف) 1934م التي توافق عليها المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله مع الإمام يحيى حميد الدين وأسست العلاقة الموضوعية بين البلدين، كما أسهمت في استقرار سياسي على مدى ثلاثة عقود عاش فيها اليمن حتى تأثر اليمنيون بالمد القومي نهاية الخمسينيات الميلادية من القرن المنصرم.
بعد ثورة سبتمبر 1962م دخل اليمن صراعاً سياسياً عنيفاً لم يتوقف حتى العام 1967م عندما توافق الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز والرئيس المصري جمال عبدالناصر وانتهى صراع الملكيين والجمهوريين بقاعدة لا غالب ولا مغلوب، وانتقل اليمن الشمالي إلى مرحلة سياسية مختلفة عاشت كامل التقاليد السياسية اليمنية حتى 1990م عندما توحّد الشمال والجنوب، وبرغم كل الصراعات والحروب الداخلية استمر اليمن إلى أن هبت رياح (الخريف العربي) في أواخر 2010م.
اشتبك اليمنيون في 2011م وتم فض الاشتباك عبر (المبادرة الخليجية) التي شكلت المفصل السياسي والأمني بتدخل دول مجلس التعاون الخليجية واضعة حداً لنزيف الدم اليمني، هذه السلسلة الممتدة ثمانية عقود من القدرة السعودية الخاصة في التعامل مع اليمن هي التي نراهن عليها في استعادة الاستقرار النسبي لهذا البلد الفقير، هنا تَكمن أهمية أن يعي كل الأطراف أن عملية «إعادة الأمل» التي أُطلقت في 21 أبريل 2015م حملت مجموعة أهداف على رأسها استئناف العملية السياسية بين كُل الأطراف اليمنية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي 2216.
خارطة الحل السياسي التي وضعتها المجموعة الدولية (السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا) كانت تستهدف 10 أبريل 2016م لإعلان وقف الحرب والانتقال للمفاوضات التي يجب أن تُفضي إلى عملية الانتقال السياسي، فالرئيس عبد ربه منصور هادي سيكمل في فبراير 2017م السنة الخامسة متجاوزاً المرجعية الأساسية في المبادرة الخليجية، وممانعة الأطراف اليمنية جميعها من عملية الحل السياسي تأتي في إطار التركيبة اليمنية التي ترفض مسألة القبول بالهزيمة، فالانقلابيون (الحوثي/صالح) الذين تلقوا هزائم عسكرية قاسية يدفعون بالشعب لمزيد من الفقر والإنهاك.
جاء (اتفاق مسقط) في 15 نوفمبر 2016م ليشكل دافعاً مهماً خاصة وأن لقاء الرباعية في (ديسمبر 2016م) حضرته سلطنة عُمان ممثلة في وزير الشؤون الخارجية يوسف بن علوي في إشارة تعزز جديّة مجموعة الرباعية على تكثيف ضغطها السياسي بما يُخضع طرفي الانقلاب على البدء في تنفيذ الخطة الأساسية التي تبدأ بهدنة عبر إشراف لجنة المراقبة والتهدئة، ثم تبدأ إجراءات الانسحاب من المنطقة (أ) صنعاء والحديدة وتعز وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط، هذه الإجراءات المُلزمة هي بالتأكيد صعبة في ظل معرفتنا بتركيبة الإنسان اليمني الرافض للهزيمة والانكسار، غير أن التنفيذ سيكون على كل الأطراف المتنازعة، وهذا يُعيدنا لما بدأنا به وهو استخدام سياسة الحزم التي سترضخ لها الأطراف المتصارعة، وهذا ما على الدبلوماسية السعودية أن تقوده لضمان الانتقال السياسي في اليمن، فالمملكة برجالها وإرادتها التي نجحت في بتر اليد الإيرانية تستطيع إيصال كل الأطراف المتنازعة إلى طاولة حوار واحدة تقود اليمن لاستقرار يأتي من بعده الإعمار وفق ما توافق عليه اليمنيون في أزمتهم.