جاسر عبدالعزيز الجاسر
لم يرغب الرئيس الروسي في إضعاف الوهج الإعلامي الذي أوجده اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، وترك الرد على قرار الرئيس أوباما بطرد خمسة وثلاثين دبلوماسياً روسياً من الولايات المتحدة يعملون في سفارتها بواشنطن وقنصليتها في سان فرانسيسكو، لاتهامهم بالقيام بهجمات إلكترونية على أنظمة الحاسب الآلي في أمريكا بعضها استهدف الحزب الديمقراطي الأمريكي خلال حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت أخيراً، كما شملت العقوبات التي فرضها أوباما الذي لبس لبوس الشجاعة قبل أن يغادر البيت الأبيض، وهي «شجاعة» مقصود بها إحراج الساكن القادم للبيت الأبيض أكثر مما هي موجهة لبوتين، مضيفاً لطرد الدبلوماسيين الروس إغلاق مجمَعَين بحثيين للحكومة الروسية في ولايتي ماريلاند ونيويورك. ولقد فهم بوتين ما يسعى إليه أوباما من إحراج الرئيس القادم ترامب عبر توتير العلاقة مع بوتين الذي يأمل بوجود تواصل أفضل مع ترامب، ولذلك فقد وجد من الأفضل أن يتجاهل ما قام به أوباما لتحقيق جملة أهداف، منها عدم التركيز إعلامياً على ما سيحصل من معركة طرد وإبعاد لدبلوماسيي البلدين وبالتالي يحرمه مما سيُكتب ويُبث تلفزيونياً عما حققته الدبلوماسية الروسية وبوتين شخصياً من اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا الذي لم يكن لأمريكا ورئيسها أوباما أي حضور، كما أن تجاهل بوتين لما اتخذه أوباما سيجعله محتفظاً بـ»كرت يرجح موقفه» في التعامل مع القادم الجديد للبيت الأبيض، فإذا وجد تعاوناً من ترامب تناسى عملية الطرد، وإن سار ترامب مع إجراءات المواجهة مع موسكو بتأثير من أعضاء الحزب الجمهوري في الكونجرس الأمريكي، فإن لدى بوتين «كرت جاهز» يتمثل في الرد على طرد الدبلوماسيين الروس بطرد مماثل لدبلوماسيين أمريكيين أسماؤهم جاهزة لدى الروس.
وهكذا يجرد بوتين أوباما من «شجاعته المتأخرة» وأسلوبه المكشوف في إحراج القادم الجديد للبيت الأبيض، فالروس ماهرون في إجادة اللعبة الدبلوماسية التي كانت سائدة في مرحلة الحرب الباردة، وبوتين شخصياً ووزير خارجيته لافروف متمرسون على إدارة مثل هذه المناكفات الدبلوماسية التي تعد إحدى المهارات السياسية التي تدربوا عليها في أروقة الحزب الحاكم أثناء فترة الاتحاد السوفياتي، وهؤلاء المحترفون في المناكفات السياسية - إن صح التعبير- لا يمكن لأوباما الذي يعد «هاوياً» مقارنة بمن تدرب وتدرج في صفوف وردهات الحزب الشيوعي الروسي، ولهذا فقد أفشل بوتين لعبة أوباما ومحاولته المكشوفة بوضع الفخاخ في طريق خلفه دونالد ترامب ودفعه إلى الصدام مع من يصفه بـ»الصديق» الأكثر ارتياحاً للتعامل معه. وفعلاً فقد أشاد ترامب بتصرف بوتين ووصف عدم رده على إجراء أوباما خلال تغريدة له بأنه قرار حكيم.