عبدالحفيظ الشمري
انطلقت بالحريق - إحدى محافظات منطقة الرياض - قبل نحو أسبوعين فعاليات «مهرجان الحمضيات» في موسمه الأول، وكانت بحق خطوة تعريفية لافتة، ومرحلة ترويجية متميزة في بناء مشروع زراعي واعد، أسهم المواطنون كافة في إقامته، والترويج له، والاحتفاء بهجة بفعالياته.
ومن جماليات هذا المهرجان أنه غمر الجميع برائحة الليمون، ونكهة البرتقال، لتتراسل تفاصيل الاحتفاء بشكل عفوي، وتتفاعل الكثير من الجهود مع هذا الحدث، لتقدّم هذه المنطقة الوادعة إضافة نوعية لأعمال الزراعة والتشجير، والبحث عن تجارب جديدة تخدم المزارعين، والمسوّقين؛ فكانت الحمضيات هي الانطلاقة الأولى لمثل هذه التجارب المثمرة.
جاء المهرجان في وسط المدينة، وتوافدت عليه الزيارات، وفتش الرواد عن سر جمال وجاذبية هذه الشجيرات الوارفة، لتتوزع الأنشطة، بين عروض للمنتجات، وترويج للشتلات، وابتهاج بمقدم ضيوف المنطقة، فخالط الطيب رائحة الشجر المثقل بجنى الثمار، ورحيق ذوق التحايا والترحيب.
وبما أن «مهرجان الحمضيات» هو الأول من نوعه في المنطقة، فقد حمل في طياته وفعاليات الكثير من الرؤى والمقولات المعبِّرة، ولنشأة هذه الأشجار الجميلة قصة أو حكاية طريفة؛ رواها لنا أحد المواطنين حينما قمنا بزيارة هذه المحافظة الجميلة ومهرجانها..
فقد ذكر المزارع «أبو عبدالله» أن الفكرة الأولى بدأت قبل 55 عاماً، أي في عام 1383هـ حينما جلب المزارع «رشيد بن عبدالرحمن الخثلان» أول مجموعة من شتلات الحمضيات من غزة بفلسطين، وبمساعدة معلم فلسطيني في المنطقة، ليسهم الأهالي حينئذ في غرس هذه الشتلات الصغيرة، وليدشنوا هذه التجربة الحقلية الجميلة التي استمرت حتى يومنا هذا.
تربة «الحريق» بدأت مهداً كريماً لمثل هذه الأشجار الجميلة؛ بمختلف أنواعها؛ كالبرتقال والليمون واليوسفي والأترنج، وأنواع أخرى، كما زادت في السنوات الأخيرة مساحة الأراضي المزروعة بالحمضيات، إلا أن المدينة تتميز عن غيرها بأنها تغرس شتلات الحمضيات بين النخيل، ليصبح لدى المزارع الحريقي فرصة رعاية هذين الصنفين الرائعين من الأشجار.
وكجدوى اقتصادية فإن مشاريع زراعة الحمضيات أوفر نسبياً من النخيل، لأنها لا تحتاج إلى أعمال كثيرة على نحو التلقيح والتعديل وجني الثمار كما لدى النخيل، فهي تحتاج إلى مرحلة واحدة هي قطف المحصول فقط، كما أن العناية بها محدودة جداً نظراً لصغر حجم أشجار الحمضيات مقارنة بارتفاع طول النخيل، وصعوبة العناية بها؛ وتعدد مراحل رعايتها، وانتظار محاصيلها.
فللحريق، وأهلها، ومهرجانها البرتقالي الجميل أسمى آيات الشكر والامتنان.. فقد نفحوا رواد هذا المهرجان بهذه الفكرة العطرة، وأثبت المواطن في بلادنا أنه قادر على ابتكار مثل هذه المناسبات المفيدة، وسعى بكل اجتهاد إلى تنويع الزراعة، من أجل أن تتعدد المحاصيل، ونصبح مع الوقت أمام دورة غذائية نتمناها متكاملة، ولتكون من عطاء أرضنا، وصنع أيدينا. وليتها تعمم على كافة مناطق بلادنا، وكل ما لديه من أشجار مثمرة؛ من النخل والزيتون والفواكه والخضراوات والمحاصيل الأخرى.