لبنى الخميس
لو أعطيت نفسك فرصة لتراقب وتفرز طبيعة المحتوى الذي يصلك كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي حتمًا ستجد نكتة عابرة أو فيديو ساخرًا أو صورة فكاهية أو مقطعًا مركبًا. اليوم الفكاهة أو ما يعرف «بالطقطقة» أصبحت علامة فارقة، تميز مزاج السعوديين.. وتعطي مؤشرًا واضحًا لسرعة تعاطيهم مع الأحداث، واستجابتهم للأخبار المحيطة بهم. فمجرد أن ينزل خبر أو تنتهي مباراة أو «يخبص وزير».. سوف تجد الواتس أب يضج بالرسائل والفيديوهات.. انستغرام بالصور والتعليقات.. وهاشتاق يتصدر قائمة «الترند» في تويتر.
برأيي، هناك ثلاثة أسباب رئيسية جعلت الشعب السعودي يدمن الطقطقة:
1 - كثافة استخدام مواقع التواص الاجتماعي:
زادت نسبة استخدام السعوديين لمواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات العشر الماضية فقط من 13 % إلى أكثر من 63 %؛ ما يجعلنا أمام أفواج متأهبة، ليس فقط لاستقبال الأخبار وتحويلها إلى مواد فكاهية ومقاطع مركبة وصور محررة بالفوتوشوب، بل هناك جيش إلكتروني كامل جاهز لنشر تلك المواد وتداولها على نطاق واسع.
2 - مصادر للحرية والترفيه:
اليوم مواقع التواصل الاجتماعي تشكل متنفسًا حقيقيًّا للسعوديين.. ومجلسًا افتراضيًّا كبيرًا، يتداولون فيه أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد، بل حتى علاقة الرجل بالمرأة؛ لذلك مواقع التواصل ليست فضاء للتعبير والتنفيس فقط.. بل مساحة للترفيه التي تتضمنها الكثير من الطقطقة والكوميديا السوداء التي تعبر عن خفة ظل مميزة للفرد السعودي. فما يحدث في مجالسنا يحدث في قروباتنا على الواتس أب.. وما نطرحه في تويتر وباث وانستغرام وغيرها من مواقع التواصل هو نسخة لما تتحدث عنه مجالس الحريم واستراحات الشباب.
3 - زيادة ضغوطات الحياة:
النكتة عبر العصور ليست مرآة تعكس الواقع الراهن فقط بل ابتسامة نفردها أمام وجه الحياة العابس.. والسعوديون كأي شعب يعيش في منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة سياسيًّا واقتصاديًّا ملَّ من أخبار الألم والقتل والدم.. وهبوط أسعار البترول.. وتدني مستوى المنتخب.. وخفض المكافآت والبدلات.. وقرر أن يتجاوزها بالنقاش حينًا، والفكاهة أحيانًا أخرى.
كيف تعاطى رؤساء الدول ووكالات المخابرات مع النكتة تاريخيًّا؟ إذ لم تكن مجرد فسحة من الواقع، بل كانت نافذة صادقة إليه:
وكالة الاستخبارات الأمريكية: أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لم تكتفِ السفارة الأمريكية في موسكو بجمع وتحليل النكات الروسية، بل كانت تتلقى من واشنطن قائمة «نكت رسمية» لبثها في المجتمع الروسي كإحدى وسائل التحريض.
أنور السادات: أما الرئيس المصري أنور السادات فكان يبدأ صباحه بتقرير تقدمه المخابرات عن آخر النكات التي قيلت فيه.. وهذه العادة تنم عن ذكاء وحنكة؛ كون النكات الشعبية تعبِّر دائمًا عما يريد الشارع قوله بطريقة مبطنة بعكس تطبيل وسائل الإعلام وأبواقها الرسمية.
شارل ديغول: بينما الجنرال «شارل ديغول» كان ينزعج جدًّا إذا لم يكن بطلاً للرسوم الكاريكاتورية والنكت السياسية التي تعكس انشغال الناس به كجنرال وشخصية مؤثرة.. فقد قال يومًا وهو يغالب الحزن: «تدنت شعبيتي في فرنسا؛ فأنا لا أرى نفسي في الرسوم الكاريكاتورية، ولا أسمع اسمي في النكتة السياسية».
النكت مهما ألبسناها ألقابًا ومسميات عامة مثل: (المحشش أو الصعيدي أو أم ركب أو أبو سروال وفنيلة) تظل تحمل في مضامينها الكثير من الحقيقة، تلك الحقيقة المُرة التي نستلذ بتناولها تلميحًا وليس قولها تصريحًا.. فنوصل المعنى.. ونصيب الهدف.. ونختصر بها عشرات التحليلات.. النكت هي نحن.. وتفعلنا الساخر مع الأحداث هو مرآة لأمزجتنا ووسائل دفاعنا عن حقنا في تخفيف الواقع عبر انتزاع الضحكة من عمق الألم!