د. محمد عبدالله الخازم
قلت عنه عام الوجع وصديقي (أبو غزاي) خفف المصطلح وأسماه عاماً للنسيان. ترددت في الحكم على 2016م، خشية تأثر ذلك بحالتي المزاجية التي تخصني وحدي، ولايجب أن تنعكس على أحكامي العامة. لكن لا بأس، إن سمح لي التحرير وتقبل القراء، سأكتب عن عامي الشخصي ورؤيتي للعام.
دعوني أبدأ بالشخصي؛ 2016م كان عام خسائر بامتياز في ظاهره؛ اجتماعية و مادية و معنوية؛ وأشير إلى أنها ظاهرة لأن في عمقها الإيجابيات و بعضها كان اختيارياً وبعضها جاء باباً لتصحيح بعض المسارات. الانسحاب ليس دائماً خسارة، بل جسارة عندما يوقف النزف المستمر. بعض الجروح تؤلم لكن الزمن كفيل بالتئامها، أو إيقاف نزيفها. لست أتحدث عن موقف واحد، فقد كان ذلك شعاري في أكثر من موقف، واجهت ذاتي فيه فتوقفت عن السير في طرق لم تكن واضحة لي، لم أستمتع بها، أو أصبحت مصدر نزف لي. قد لا يكون العيب في مشروع حساباته و مستقبله النظري مبهر، لكنني قررت أن أثق في عيوني وحساباتي الشخصية أولاً. تجاوزت المعايير التي يحكم من خلاله الآخرون، وقررت أن أتبع حدسي. فلتعذروني، ولن أغضب حين تصفوني بنفاذ الصبر أو الأنانية!
لا أستطيع تجاوز 2016م دون الإشارة إلى كونه ألمني مرض وفقد لأعزاء لهم في القلب والروح مكانة. زاد ألمي بسماع أخبارهم، وربما كان ذلك مصدرا للتأمل في مسارات الحياة وزادني تصميماً للمضي في طريق الحزم في اختياراتي... فليرحم الله من توفى منهم ويشافي من توجع منهم.
على الصعيد العام؛ كان 2016م مؤلماً في امتهان كرامة الإنسان وقتله وتشريده لأسباب لا تقنع العقل المتحضر. موجات الإرهاب ضربت أصقاع الدنيا وتساوى الإرهابي اللص مع الإرهابي القائد في نزعات الشر. النزعة المناهضة للانفتاح والعولمة وتقبل الآخر تتغلغل بشكل مخيف حتى في أعتى دول الديموقراطية، وكأن العالم تعب من إظهار المثالية، فقرر أن يعود لطبعه المادي والعنصري. كان عام الأنانية، يموت الإنسان بأيدي الدول كما يموت بأيدي العصابات، فلا أحد يتدخل. توقعنا أن روح الإنسان أصبحت غالية، فإذا 2016 يخبرنا بأنها رخيصة مقابل تحقيق الأهداف السياسية والدنيوية، والطيبون فقط يتألمون لأجل الإنسان. عندما يحل الرخاء يتحدثون عن المثاليات وبمجرد اهتزاز الاقتصاد وتنامي الأصولية السياسية تكشر الأنياب، وتنسى الأخلاقيات التي كانو يدعونها وينادون بها؛ حقوق الإنسان وصيانة الحريات ورفض العنصرية وغيرها. فهذا يحارب لأجل الوصول للموارد وثان يريد طرد المهاجرين وإلغاء الاتفاقيات وثالث يتخلى عن اتحاد أسهم في بنائه ...الخ. ترى لو زاد وجع الاقتصاد ونقص الوظائف وسيطر المتشددون، ماذا سيحل بالعالم؟ هل ستنفجر حروب وثورات كبرى؟
وداعاً وللنسيان 2016 ومرحباً 2017 نرجو أن تخيب التوقعات السلبية فيه. ندعو الله أن يحمينا من توقعات ترى «الشروق لا يأتي سوى بعد العتمة» وليلنا لم تكتمل عتمته، بعد!