إبراهيم عبدالله العمار
أيها القارئ، هل تعرف أنك الآن وأنت تقرأ هذه السطور تفعل شيئًا مدهشًا؟ شيئًا لم يكن البشر يقدرون على أن يفعلوه في السابق حتى لو تعلموا القراءة؟ كيف وصلنا لهذه المرحلة؟ بل ما هي هذه المرحلة أصلاً التي أتكلم عنها؟ لنرجع للوراء قليلاً..
في قرابة سنة 2000 قبل الميلاد بدأ يحصل شيء كبير: بدأ الكاتبون يضعون قواعد لترتيب الكلمات في الكتب.
قبلها لم يكن يوجد هذا؛ كانت الكلمات متراصة بشكل مستمر. هذه طريقة تسمى النص المتواصل scriptura continua. وضعها بهذه الطريقة المرصوصة جعل قراءتها صعبة جدًّا؛ فكان يجب أن تُقرأ وتفك الشفرة، وتُقرأ بصوت عالٍ، ولم يكن الكثير من الناس يقرؤون، لكن ترتيب الكلمات ووضع المساحات بين الكلمات كان له تأثير ضخم، بما في ذلك علامات الترقيم. صارت الكتابة تتجه للعين بنفس مقدار توجيهها للأذن. هذه أحدثت ثورة (أي ظهور قواعد ترتيب الكلمات).. ثورة في هيكل اللغة. هذا أزال الإجهاد العقلي الذي كان يتطلبه فك شفرة قراءة النصوص القديمة؛ فصار الناس يقرؤون بسرعة، وبشكل صامت، وبفهم أكثر. في السابق لم يكن هناك شيء اسمه قراءة صامتة. نعم، إن قدرتك على القراءة بصمت شيء جديد نسبيًّا! كانت القراءة دائمًا بصوت عال. القراء لم يصبحوا أكثر كفاءة في القراءة لكن أصبحوا أكثر انتباهًا وتركيزًا. قراءة كتاب بصمت يتطلب قدرة على التركيز لفترة طويلة.. وتطوير هذه القدرة لم يكن سهلاً. طبيعة العقل البشري هي التشتت. طبيعتنا هي التنقل ببصرنا (ومن ثم انتباهنا) من شيء لآخر، وأن نكون على وعي بما حولنا. الذي يجذب انتباهنا أكثر من أي شيء هو أي تغيير في البيئة المحيطة بينا. تقول مايا باينز من مركز هوارد هيوز الطبي: «إن حواسنا بالغة الحساسية للتغيير. الأشياء غير المتحركة والمتغيرة تصبح جزءًا من المكان، ولا تُرى بعد ذلك. قراءة كتاب هي تدريب على عملية غير طبيعية من التفكير، عملية تطلبت انتباهًا متصلاً على شيء واحد غير متحرك».
فكِّر في هذا وأنت تقرأ أي شيئًا. اعرف أنك تفعل شيئًا كان الأسبقون يظنونه مستحيلاً، حتى لو كان شيئًا بسيطًا مثل أن تتصفح قائمة طعام!