د.ثريا العريض
عادة ينتظر الناس العام الجديد محملين بأمنية يرجون أن تتحقق.. أو بقرار ما يضمرونه على تحولٍ ينوون أن يفعلونه، غالبًا في إطار تغيير واقع نحو ما يرونه أفضل كالامتناع عن التدخين، أو إنزال الوزن الزائد، أو استعادة التوازن في الحياة العاطفية. وهي أمنيات يتشابه فيها الأغنياء والفقراء.. فالثراء لا يعني الصحة ولا التصرف السليم ولا السعادة. والجسد يدرك أن الملذات الآنية لا تحمل إلا الأحزان المستقبلية ويطالب العقل أن يتخذ القرار السليم الذي سيبقيه على المدى البعيد بين الأصحاء أو حتى بين الأحياء.
هذا العام يختلف بصورة جذرية، حيث أمنيات الملايين تتعلق بالبقاء أحياء، خارج القرارات الشخصية بالانتحار أو تفجير أنفسهم. أمنيات تدور حول حلول السلام بدل الحرب والصراعات التي ليس للغالبية فيها أي دور سوى دور الضحايا العزل المتضررين. في المخيمات المتنامية لا يحلم المتكدسون في بردها وصقيعها إلا بالشعور بالدفء، والاطمئنان على أحبتهم الذين غابوا عن أعينهم. مطالب اللحظة في انتظار الفرج ليخرجوا من أحزان الآن إلى استعادة التوازن في مسيرة حياة لم تعد مؤكدة.
سعدت بحملة الملك سلمان لمساعدة الأشقاء السوريين والتخفيف من معاناتهم.. وفق الله كل من أسهم فيها بنية صادقة. أعلم أنها ستحمل بعض الراحة لهم في انتظارهم لحلول السلام والعودة لبناء بيوتهم وإعمار ديارهم. لا حرم الله أحدًا من دفء الأرض والسقف ورحمة السماء ولطف القضاء.
اللهم نسألك أن تشمل عبادك بلطفك، إلا من يستحلون سرقة فضاءات أوطان الآخرين. أحلم باستعادة فلسطين ورفع نير الاحتلال الإسرائلي الذي ينوي نتنياهو أن يبقيه مستدامًا.
أحلم بعودة الفلسطينيين لأرضهم.
كنت أتمنى لو كان العالم في سلام..
وأتمنى أن يأتي عيد قادم بفرحة تهنئة بالسلام المأمول. نصافح في دفئها الأهل في الجوار، والأصدقاء في العالم القريب والبعيد.. في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان واليمن ومصر والسودان وليبيا وتونس وكل وطن مهدد بالإرهاب.. حتى الأحبة خارج الأوطان.
أحلم بعينين مفتوحتين على واقع مر..
فحتى الآن العالم في حالة يصعب تصنيفها من الازدواجية بين التعاطف والعقل، وجنون الأنانية والإقصائية، وطموح الهيمنة الفئوية ولو على جثث الآخرين وطمرهم في قبور جماعية. الواقع مدن تدك على رؤوس ساكنيها، وملايين في العراء، وتفجيرات دموية، والآلاف يموتون يوميًا بفعل فاعل مهووس، بقضية وبدون قضية. ومنا من اعتاد مع التكرار كل هذه الغرائبية فتجمدت الأحاسيس والمشاعر. وصلنا حد التشبع، وآثر بعضنا الهروب من مواجهة حقيقة الدمار؛ فلا هو يتابع الأخبار ولا هو يحاول إنقاذ الأبرياء في أتون السعار.
فملايين من بني البشر احتفلت أيضًا برأس السنة كما هو معتاد ولم تدعها نشرات الأخبار ومآسيها إلا تفعل.
اللهم سبحانك.. نتوجه إليك طالبين التحول للسلام المستدام.
ولك حكمة فيما تشاء.. وأنت خير من يلجأ إليه العقلاء.