أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
نتذكر يوم البيعة فتحضر الثقة، ويبتسم الأمل، ويبدو الحزم؛ نعم تحضر الثقة لأن الملك سلمان موئل الثقة يوم أصبح ملكاً وقبل أن يصبح ملكاً. لقد عرف الناس الملك سلمان أميراً سنوات وسنوات فالثقة تصحبه في أعماله، والناس يرتاحون لما يأمر به، وما يوجههم إليه. إن الثقة عنوان القناعة بما يتم من أعمال، وأعمال سلمان على مدى أربعين سنة شهد لها القاصي والداني، فهو يسيّر الأمور بحكمة لأنه يثق بما يقول، ويجزم في حال أمره، ويتابع ما يأمر به، فالمسؤول في الإمارة والمحافظة منوط عمله بسلمان بن عبدالعزيز. ومع ثقة سلمان بن عبدالعزيز بالعاملين تحت يده فإنه يعزز تلك الثقة بالجولات على المحافظات من وقت لآخر. لقد تذكرت جولات سلمان بن عبدالعزيز على مدن وقرى إمارة الرياض قبل أربعين سنة، وكيف أن الناس يستقبلونه استقبال الملك مع تواضعه وقربه منهم، فهو لا يرضى بإرهاق أي بلد في الصرف على تلك الاحتفالات، ولكن أهل المدن والقرى لا يرضون بالدونية لبلدهم التي شرّفها سلمان بن عبدالعزيز بالزيارة، ويعدون وطء أقدامه في بلدهم تشريفاً لذلك البلد، ولمن يقطنها صغاراً وكباراً؛ إنها المحبة لسلمان بن عبدالعزيز فهو مهيب في جانبه، موثوق به في سريرته، يُخَاف من مخالفة أمره فيما يتعلق بمصلحة الناس. إنها الثقة بين الحاكم والمحكوم، عندما تتوافر في الحاكم يقتنع المحكوم، فتسير الأمور في نصابها، وينأى الشقاق والنزاع بين الأفراد، وتتجه المصلحة إلى بناء البلد والتخطيط لمستقبله.
لقد بايع الناس الملك سلمان منذ سنتين ملكاً للبلاد، وأميناً عليها وراعياً لمصلحتها، وحامياً لدين الله فيها، قناعةً منهم بأن الملك سلمان أهل للثقة، وخير من يعلو كرسي الحكم في المملكة العربية السعودية؛ بايع الناس الملك سلمان والابتسامة تعلو وجوههم، والأمل يلوح في الأفق بمستقبل مشرق للمملكة العربية السعودية؛ نعم لقد أمل المبايعون في الملك سلمان الخير بكل وجوهه من أمن ومعيشة رغد تعم الغني والفقير، حيث الأسعار المعتدلة، والسلع في الأسواق متاحة، والتعليم للأبناء متيسر، والعمل للشباب مفتوح الأبواب، والعلاج للمرضى متوافر. نعم نتذكر تلك الحشود في إمارة الرياض، وفي الإمارات والمحافظات مبايعين مبتسمين فرحين مبتهجين بتقديم البيعة للملك سلمان، إن تلك الابتسامة مقترنة بالأمل، والأمل يتبلور في رقي الوطن، فالمواطن عندما يبايع فهو يبايع عن قناعة بأن الملك سلمان هو خير من يرقى سلم التطور والرقي بالوطن المملكة العربية السعودية، فالمملكة مؤهلة لهذا الرقي فمساحتها شاسعة، وسكانها في عدد وافر، ودخلها يتيح له السير في طريق التقدم، فابتسامة الأمل لم تصدر من فراغ، فهناك تكامل بين الحاكم والمحكوم، وهناك مصادر رزق للجميع إذا توافرت النية السليمة من التاجر والمعلم والعامل ورجل الأمن، إن المملكة العربية السعودية مؤهلة للسير الحثيث الذي سار فيه كثير من دول العالم التي حظيت بالتقدم والرقي واحترام الآخرين وحماية البلد. إن الأمل يتوافر عندما يتجه الجميع إلى العمل المثمر الذي يعود على البلاد بالنماء ووفرة الخير. وعندما بايع الناس الملك سلمان بايعوا ملكا عُرف بالحزم، وقد بدأ حزم سلمان في حماية حدود المملكة العربية السعودية، فقد نذر الملك سلمان نفسه لحماية المملكة العربية السعودية، فهو جاد في ذلك سائر في طريق القوة، فالقوة هي التي تحمي البلاد، وبدونها يتبدد الأمل، لقد حزم الملك سلمان أمره، وتوكل على الله وبنى جيشاً شَرَّف المواطن وأَقَّر به الند وهابه البعيد قبل القريب، لقد عرف الملك سلمان طريق حماية الوطن؛ إنه طريق القوة، لقد تمرس الجنود على القتال، وصقلت الحرب النفوس قبل الأجسام. فَشَرَّف جيش سلمان مواطنيه، ولم يستجد القوة من الآخرين، بل صنعها بنفسه، ونهض بحماية البلد، إنه الحزم رديف كلمة سلمان. لقد احتفت الصحف بالبيعة، مسطرةً في صفحاتها ثقة المواطن وتهنئة القادمين من الدول المجاورة، فمن يتصفحها اليم يقف على هَبَّةِ الشعب للبيعة، وعلى مكانة المملكة وملكها، فالرياض تستقبل وتودع عشرات الوفود، والصور توثق تلك الوفود التي قدمت لتهنئة الملك سلمان، إنها وفود من أرجاء الأرض شرقها وغربها؛ شمالها وجنوبها، جاءت تقديراً للملك سلمان ومكانة المملكة عربياً وإسلامياً ودولياً، لقد ارتكزت مكانة المملكة على حماية المقدسات؛ مكة والمدينة، وهذه المكانة تتجاوز العالم الإسلامي إلى العالم أجمع، لأن العالم كله يحترم الأديان، ويحترم المقدسات. ثم إن النفط دعامة من دعامات قوة المملكة فالاقتصاد اليوم مجلبة للاحترام والتقدير من قبل الآخرين، وقد حبانا الله ثروة جلبت لنا التقدير من الآخرين.
إن المملكة العربية السعودية تنعم بالأمن بفضل من الله ثم من يقظة ملكها. إن المفجرين والمخربين يسعون فساداً في الأرض فليس لهم هَمٌّ إلا زعزعة الأمن وإهلاك الحرث والنسل، فلا يهدأ لهم بال حتى يروا الخراب يعُم والفوضى ترفع رايتها. ولكن ليعلموا أن سلمان ورجاله لهم بالمرصاد، فيبطلون خططهم قبل تنفيذها. لقد تصدى الملك سلمان لخطط المخربين حيث تخطت تلك الخطط حدودها، فسعت إلى العبث بالحج بكل ما تملك، ولكن حزم سلمان أوقفها عند حدها، فلم يطأ المشاعر عابث ومفسد فالأمن أوقفه قبل وصوله إليها، فيقظة رجال الأمن ترصد حركات المفسدين، وتلك اليقظة هي التي حمت الحج بعد عناية الله، فَنَعِمَ الحجاج بأداء مناسكهم بدون أي منغص ينالهم في مكة المكرمة، وفي منى ومزدلفة وعرفات، لقد عرف مصدر الشر فوضعت الحواجز في طريقه فلم يستطع بث سمومه ونشر عبثه وتفجيره، ورجال الأمن تصدوا لِمُهَرِّبي المخدرات الساعين إلى إفساد الشباب، فنحن نقرأ في كل يوم القبض على عدد من المهربين، وحماية الحدود مهمة شاقة؛ فحدود المملكة تبلغ آلاف الأكيال، وجزر المملكة تعد بالمئات فحمايتها منوطة برجال الأمن الذين يسعون ليلاً ونهاراً في حماية هذه الحدود من العابثين والمفسدين.
ومنجزات خادم الحرمين الشريفين منذ أن تولى الملك على الأصعدة المختلفة: الوطني والإقليمي والعربي والإسلامي والعالمي منجزات منظورة، ففي المجال الداخلي اتجه -يحفظه الله- إلى الارتقاء بالصحة، حيث تبين له أن وزارة الصحة مصابة بمرض مزمن، فسعى إلى انتشالها من هذا المرض، فاختار لها وزيراً عُرف بسعيه إلى المصلحة العامة فباشر عمله، إن الملك يرغب في إسعاد شعبه ويبحث عن الكفاءات فقد يجد من يلبي رغبته وقد لا يجده، إن المواطنين يتطلعون إلى الارتقاء بهذا المرفق الهام (الصحة) وأملهم في خادم الحرمين لن يخيب إن شاء الله، فخادم الحرمين سند المواطن، والصحة هي قوام جسمه ونفسه، فكلنا أمل في تحقيق رغبة الملك في النهوض بالصحة من وهدتها التي طالت ومرضها الذي لم يعثر على علاجه، حقق الله الآمال في النهوض بهذا المرفق.
لقد أصبحت المملكة العربية السعودية محط أنظار العالم لما تتمتع به من ثبات على المبادئ، والوفاء بعهودها تجاه الأمم المتحدة، وتجاه دول العالم، فالمملكة تؤدي ما يطلب منها تجاه إخواننا الفلسطينيين، وتجاه إخواننا العرب والمسلمين، فهي في مقدمة من يعضد التكاتف والتعاون، لقد رحبت المملكة بكل تعاون مثمر يجمع العرب على أخذ حقوقهم، ولم تتراخ في أي اجتماع تجاه أخذ الحق، واهتمام خادم الحرمين بدول مجلس التعاون يتقدم اهتماماته الأخرى، بل هو مقرون باهتمامه بشعبه -يحفظه الله-، فمنذ أن أكمل جولته في المنطقة الشرقية اتجه إلى دولة الإمارات فدولة قطر فدولة البحرين التي عقد فيها الاجتماع لقادة دول مجلس التعاون، وقد أثمر الاجتماع عن قرارات اقتصادية وقرارات أمنية تصب في مصلحة دول الخليج العربية.
وفي هذه الذكرى المجيدة أدعو لخادم الحرمين الشريفين بالصحة التامة والتوفيق فيما يطمح إليه من أن تكون المملكة العربية السعودية في مصاف الدول المؤثرة في العالم بأبنائها المتعلمين وبخبرائها المُسدَّدِين وبأطبائها المرموقين، وبقوتها الاقتصادية وجيشها القوي. سدد الله الخطى وهدى إلى الرشد وطريق الخير.