الجزيرة - الاقتصاد:
تزامن الإعلان عن ميزانية الشفافية والإصلاح التنموي هذا العام مع حلول الذكرى الثانية لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - حيث كان صدى أرقام الميزانية ومضامينها المطمئنة واضحا جليّاً في أوساط الاقتصاديين المختصين وكذلك المواطنين الذين استبشروا وفرحوا بقوة ورسوخ الاقتصاد السعودي، رغم تقلبات أسواق النفط العالمية، ولاسيما أن عيونهم تتطلع إلى المستقبل مع برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030 ومبادراتها النوعية ذات العمق والبعد الاستراتيجي.
ونحن نستذكر في هذه الأيَّام الذكرى الثانية للبيعة المباركة، فإننا نستذكر ماضي الآباء والأجداد الذين بايعوا الملك عبد العزيز - طيَّب الله ثراه - وخاضوا معه ملحمة التأسيس وبناء الكيان العظيم، حتى أضحى وطن التطور والنمو والرخاء والازدهار، وطن يقع اقتصاده ضمن أقوى 20 اقتصادا على مستوى العالم، وما زال وسيظل الوجهة المثلى والأميز لرؤوس الأموال والاستثمار، بفضل ما يحظى به من استقرار وبنى تحتية صناعية ومدنية متينة، وطن يحظى بقيادة رشيدة أولت جانب استدامة التنمية جل اهتمامها، فكان أن جاءت رؤى وأفكار الرؤية الطموحة 2030 معبرة عن هذا الاهتمام وهذا التوجه، كلها عوامل ميزت المرحلة وجعلتها مرحلة بناء وتشييد وتأسيس لمستقبل جديد حافل بالإنجازات، استكمالا لمسيرة العطاء والخير والنماء في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - .
وقد جاءت بشائر الخير مع الإعلان عن موازنة العام الجديد 2017، وهي الموازنة التي تجيء مع التوقعات الإيجابية لصندوق النقد الدولي عن الأسعار العالمية للنفط وكذلك التفاؤل المتسع حول الطلب العالمي على النفط.. حيث تشير التوقعات إلى تبني الصندوق لسياسة رفع توقعاته لأسعار النفط في 2017 إلى 50.3 دولار للبرميل، بعد أن كانت تنحصر في مستوى 42 - 43 دولارا للبرميل من أسابيع قليلة.. ويتزامن رفع الصندوق لتوقعاته عن أسعار النفط مع توقعات بارتفاع الطلب العالمي على النفط، فدائما ما يأتي المتشائمون بأن كل زيادة في المعروض تتسبب على المدى القصير في تراجع الأسعار العالمية، ولكن هذه المرة يطلق الصندوق توقعات إيجابية حول التنبؤ بزيادة الطلب على النفط بنحو 1.1 في المئة.
وعليه، فإنَّ موازنة العام الجديد 2017م جاءت تتبنى سياسة «استعادة التوسع» بعد عام من ترشيد الإنفاق، والتي تزامنت مع عجز كبير وواضح في موازنة عام 2016م.. وينبغي أن نتذكر أن الاقتصاد الوطني هو اقتصاد قائم على التوسع المستمر، وأي انحصار في مستوى التوسع يُعدُّ سلبيا، وذلك رغم أن كل الاقتصاديات تتطلب فترات للانكماش، على الأقل للتخلص من الفجوات التضخمية التي يكونها التوسع المتتالي.. ويعزي هذا الافتراض إلى اعتياد الاقتصاد الوطني على عمليات التوسع، واعتبارها الواقع الافتراضي للنشاط الاقتصادي، ولعل أفضل ما تم إنجازه خلال الفترة (2015 - 2016) هي كسر فرضية قيام النشاط على التوسع في المصروفات إلى فرضية جديدة وهي قدرة الاقتصاد الوطني على التكيف مع أي أوضاع طارئة ترتبط بالإيرادات النفطية، ولعل ذلك يجيء في ظل حالة النضوج المؤسسي لتوزيع الإيرادات الحكومية ما بين إيرادات نفطية وغير نفطية، وبدء مرحلة جديدة تستقر فيها الإيرادات غير النفطية بعيدا عن أي تغييرات معاكسة في الإيرادات النفطية.
لذلك، فإنَّ موازنة 2017 تعتبر استمرارا للنهج التوسعي الذي هو نهج متتال ومتواصل للفترة (2009 - 2014م).. ورغم أن التوسع المقدر في عام 2017م ليس بالمعدلات الكبيرة لكنه يأتي في سياق سياسة التحفظ والاتزان التي تتبناها الحكومية السعودية بعدم التفاؤل الكبير بشأن الأسعار العالمية للنفط، وبالتالي تقديراتها لمستوى إيراداتها النفطية المقدرة.
ويتوقع أن تكون الأرقام الفعلية لعام 2017م أفضل كثيرا من الأرقام المقدرة في بيان وزارة المالية الحالي.. ونستدل بذلك على التحسن الكبير الذي حققته الميزانية الفعلية لعام 2016م عن الأرقام المقدرة في بداية 2016 أو في موازنتها في ديسمبر الماضي. ومن المتوقع أن تجني المملكة ثمار سياسة ترشيد الإنفاق التي تبنتها في ظل رؤية المملكة 2030 أو في سياق برنامج التحول 2020، فسياسة الترشيد أفرزت تحسنا كبيرا في مستوى العجز الفعلي في ميزانية الفعلية لعام 2016م والتي لم تتجاوز 297 مليار ريال، مقارنة بالعجز المتوقع في موازنة 2016 والبالغ حوالي 326 مليار ريال، أي أن العجز الفعلي تراجع عن مستواه المقدر بنحو 29 مليار ريال، بما يعطي مؤشرات على السيطرة التامة على المصروفات الحكومية، بل وتحقيق فائض في الأرقام الفعلية عن المقدرة.
ودائما ما يفسر الاقتصاديون زيادة المصروفات الحكومية في قطاعات معينة بأنها نهج توسعي، خصوصاً عندما تصب هذه المصروفات في قطاعات محركة للسوق مثل المقاولات والبناء والتشييد والتشغيل والصيانة. موازنة 2017 بها عودة لأرقام عهد 2014 وما قبلها من حيث التخطيط لضخ المزيد من المصروفات في قطاعات اقتصادية محركة للنشاط الاقتصادي ككل، والتي على رأسها الخدمات البلدية والتي زادت مخصصاتها بنسبة 37.1 في المئة في 2017م عنها في 2016م، وكذلك قطاع البنية الأساسية والنقل والتي زادت مخصصاتها بنسبة 67.7 في المئة في 2017م عنها في 2016م، وكذلك قطاع الموارد الاقتصادية والتي زادت مخصصاتها بنسبة 27 في المئة في 2017 عنها في 2016م.
جدير بالذكر أن الإنفاق على التعليم والصحة يُعدُّ إلى حد كبير لم يطرأ عليه تغيير حيث استقر الأول عند مستوى إنفاق 200 مليار ريال، واستقرت الصحة عند مستوى 120 مليار ريال، وهي تدور حول فلك مستوياتها السابقة. وفي ضوء أرقام موازنة 2017 من المتوقع أن يحرز الناتج المحلي الإجمالي نموا بنسبة لا تقل عن 3 في المئة في 2017م، بعد استقرار معدل النمو بالأسعار الثابتة في 2016 عند 1.4 في المئة. وينبغي الذكر أن النمو بمعدل 1.4 في المئة في ظل سياسة الترشيد للإنفاق التي تم تبنيها في 2015 - 2016م يُعدُّ إنجازا حقيقيا، لأن مثل هذه السياسات التكمشية دائما ما تفرض معدلات نمو صفرية أو ربما سالبة أحيانا.
ووفقا للتقارير المتخصصة فإنَّ ميزانية 2017 متوافقة مع أهداف برنامج التحول الوطني وبالتالي فإنَّ المقترحات الرئيسية لميزانية العام 2017 أي انخفاض عجز الميزانية بصورة تدريجية لتحقيق توازن الميزانية بحلول 2020، وتحديد سقف للدين، والاستمرار في إصلاح أسعار الطاقة، وتعزيز مستويات الإفصاح والشفافية، إلى جانب الإصلاحات المتوقعة في سوق العمل وبعض المبادرات الجديدة، تشير كلها إلى أنها متوافقة مع خطط برنامج التحول الوطني ورؤية المملكة 2030، كما أن إصلاحات أسعار الطاقة التي بدأت في العام الماضي سوف تستمر وذلك استنادا إلى إصلاحات أسعار الطاقة التي تم استحداثها في العام الماضي، فقد تم الإعلان عن مزيد من الإصلاحات في الأسعار «للطاقة والكهرباء». بيد أن تاريخ تنفيذ هذه الإصلاحات غير معروف حتى الآن ومن المرجح أن يسبقه تطبيق آلية لتحويلات نقدية مباشرة إلى المواطنين، والتي من المقرر أن يبدأ تسجيل الأسر المستحقة لها في فبراير 2017. ويسود الاعتقاد بأن هذه الإعانات المستهدفة إيجابية ومن شأنها أن تخفف التأثيرات السلبية على الدخول المتاحة للإنفاق لدى القوى العاملة السعودية في شريحتي الدخل المنخفض والدخل المتوسط، في حين ستدعم الإصلاحات الإضافية الإيرادات غير النفطية وسوف تؤدي ضريبة القيمة المضافة، والرسوم المحتمل فرضها على العمالة غير السعودية، والرسوم على مشروبات الطاقة، والدخل المتوقع تحقيقه من رسوم الأراضي البيضاء، التي تم إعلانها في 2016، كلها إلى دعم نمو الإيرادات غير النفطية من عام 2017 فصاعدا. كذلك، فقد تم اقتراح إصلاحات ترتبط بسوق العمل، تتمثل في فرض رسوم على العمالة غير السعودية، غير أن المعلومات الإضافية التي تتعلق بطبيعة ونطاق تطبيق هذه المقترحات ومبالغها، هي التي سوف تحدد تأثيرها المباشر على ربحية القطاعات المختلفة.