«الجزيرة» - سعود الشيباني:
دأبت المملكة منذ تأسيسها على يد الموحد الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه-، على أن ترسم لنفسها طريقًا مستقيمًا لا تحيد عنه أبدًا، دستورها كتاب الله، وسنة نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو ما جعل منهجها واضحًا لا لبس فيه، إِذ أخذت على عاتقها مسؤولية نشر الأمن والسلام وتعريف العالم بسماحة الإسلام ونبذه للعنف، ولا ينكر منصفٌ جهود المملكة وقادتها، منذ تأسيسها وحتى الآن في تحقيق الأمن ومحاربة ما يهدده من إرهاب داخليًا وخارجيًا، ودعم كل الجهود والقرارات الدولية في التصدي له، ويعد صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز أبرز رموز مهندسي حفظ الأمن بالمملكة، وله باع طويل وخطوات ثابتة في هذا الطريق وكانت وقفاته وجهوده ملموسة لتثبيت الأمن في ربوع البلاد ودحر الإرهاب والفئة الضالة المفسدة. ففي ظل متابعة وتخطيط من قبل قاهر الإرهاب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية نجحت الأجهزة الأمنية طوال الأعوام الماضية في إحباط أكثر من 398 عملية إرهابية كادت أن تنفذ بعدة مواقع من مدن المملكة مستهدفين منشآت حكومية وخصوصًا وشخصيات مهمة ورجال أمن بعد أن كشفت الجهات المختصة عن أهداف الإرهابيين فيما تم القبض على أكثر من 5000 متهم بالإرهاب.
نجاحات متواصلة
وعلى الرغم من كثرة المهام التي يتابعها سموه يوميًا فقد وضع جل اهتمامه لمتابعة شؤون السجناء وأسرهم وكذلك أسر المتورطين في أعمال إرهابية الذين يتواصلون مع سموه مباشرة مستنكرين ما أقدم عليه أبناؤهم من تصرفات خاطئة بحق وطنهم وأسرهم، وكذلك حل ما لديهم من مشكلات أو متطلبات الحياة، وأيضًا يتابع سموه ما ينشر في وسائل الإعلام عن ذوي الظروف الخاصة ويبادر سموه إلى إنهاء مشكلاتهم وتحقيق مطالبهم. وعرف عن سموه - حفظه الله- حرصه الشديد على متابعة أحوال أفراد رجال الأمن الذين يؤدون مهماتهم في ظروف مناخية صعبة وتذليل ما يواجهونه من صعوبات وظروف ويوجه بعلاج ومساعدة من تعرض منهم للمرض أو الإصابة أثناء أداء الواجب الأمني، ويقوم بزيارات لهم في المستشفيات ومنازلهم.
كذلك يولي سموه اهتمامًا خاصًا للشباب ودرء مخاطر الانحراف والإرهاب والمخدرات عنهم ومساعدة أسرهم على مواجهة جنوح أبنائهم، ويدعم سموه المبادرات الإنسانية والأعمال الخيرية المخلصة، ويهتم سموه اهتمامًا كبيرًا بشهداء الواجب والمصابين في مواجهة الأعمال الإرهابية والأحداث الأمنية وأسرهم وتقديم الرعاية والعناية لهم وتحمل ما عليهم من التزامات مالية وتوفير السكن المناسب لهم ولأسرهم وتسهيل مواصلة أبنائهم لتعليمهم وتوظيفهم ليتولوا مستقبلاً إعالة أسرهم. وفي ظل المهام التي أوكلت لسموه إشرافه على عديد من اللجان والحملات الإغاثية السعودية لمساعدة الشعوب المتضررة في فلسطين، والصومال، وسوريا، وشرق آسيا، وأفغانستان، وباكستان، ولبنان، كذلك أشرف سموه على تنفيذ خطط واستراتيجيات مكافحة الإرهاب ومواجهة أعماله بكل عزيمة واقتدار وحقق بذلك نجاحًا حظي بتقدير الجميع محليًا، وإقليميًا، وعالميًا، وقدم سموه تجربة سعودية متميزة في مجال مكافحة الإرهاب أفادت منها دول عالمية عديدة.
إقامة الحدود الشرعية
ومن أجل استتباب الأمن في المجتمعات جاءت الشريعة الغراء بالعقوبات الصارمة، وحفظت للأمة في قضاياها ما يتعلق بالحق العام والحق الخاص. بل إن من المقرر شرعًا قطع دابر الفتنة، وقطع الوسائل الموصلة إليها، وما ذاك إلا من باب سد الذريعة المفضية إلى التهاون بالحدود والتعزيرات، أو التقليل من شأنها أو تعطيل أحكامها.
ويؤمن سمو ولي العهد بأن تطبيق الحدود في الأرض كبت للفتنة وقلعها من جذورها، فالفتنة أشد من القتل، وإقامة حكم الله فرض لا مساومة عليه، وهذه البلاد المباركة منذ تأسيسها وهي تستمد أحكامها من الكتاب والسنة. وتستمر المملكة بجهودها في تحقيق الأمن على المستويين الدولي والعربي، وتعزيز التعاون بين كل الدول والشعوب وقطع مصادر تمويل ودعم الجماعات الإرهابية التي تمثل تهديدًا للأمن، وتفعيل الآليات الدولية في هذا الشأن. ولا شك أن الإرهاب وصل إلى أكثر دول العالم، وكانت المملكة العربية السعودية أكثر من تأذى وتضرر منه، وعانت مثلها مثل عديد من دول العالم، من العمليات الإرهابية، وتعاملت معها بكل صرامة وجدية، ساندها في ذلك الشعب السعودي الذي وقف صفًا واحدًا مع قيادته في محاربة هذه الظاهرة الدخيلة على الوطن، والمنافية لمعتقداته وثقافته، ولم تقتصر سياسة المملكة على التعامل أمنيًا مع هذه الظاهرة، بل اتسمت بالشمولية في التعامل مع الفكر الضال المؤدي إليه، وقطع كل سبل التمويل عنه.
وضمن هذه الجهود في الحرب على الإرهاب، تعد المملكة أول دولة وقعت على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي في منظمة المؤتمر الإسلامي عام 2000م، كما أنها من دعت إلى إنشاء المركز العالمي لمكافحة الإرهاب ضمن مبادراتها الكثيرة، ودعمته بمائة مليون دولار، ومركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وأسهمت المملكة بمبلغ عشرة ملايين دولار لتمويل تأسيسه، وقامت باستضافة المؤتمر العالمي لمكافحة الإرهاب بمدينة الرياض عام 2005 بعنوان (الإسلام ومحاربة الإرهاب) بمشاركة أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية وأجنبية، إلى جانب عدد من المنظمات الدولية والإقليمية والعربية، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده وولي ولي عهده أتت واحدة من أكبر المبادرات الدولية والإسلامية في مكافحة هذه الآفة بتشكيل التحالف العربي الإسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة، وإقامة مركز عمليات مشتركة في الرياض لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدحره، وتبنت المملكة تشكيل تحالف إسلامي من 34 دولة لمحاربة الإرهاب، وأنشأت «مركز الحرب الفكرية» بوزارة الدفاع، فضلاً عن استضافتها أعمال الاجتماع الإقليمي في جدة الذي خصص لبحث موضوع الإرهاب في المنطقة، ومشاركتها كذلك مع التحالف الدولي بطائراتها وطياريها في محاربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، وجاء هذا الجهد وغيره ضمن مسؤولية المملكة كشريك مهم ضمن دول العالم في مواجهة التنظيمات الإرهابية. ووقف علماء المملكة ضد التطرف وبيّنوا مخالفته للكتاب والسنة.
وضمن جهودها في مكافحة الإرهاب فقد صادقت المملكة على عديد من الاتفاقيات الخاصة بمكافحته، كما صادقت على جملة من الاتفاقات الدولية ذات العلاقة، من بينها الاتفاقية الخاصة بالجرائم وبعض الأفعال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات (طوكيو 1963م)، واتفاقية مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات (لاهاي 1970م)، واتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني (مون تريال 1971م)، واتفاقية منع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها (نيويورك 1973م)، والاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن (نيويورك 1979م)، والبروتوكول المتعلق بقمع أعمال العنف غير المشروعة في المطارات التي تخدم الطيران المدني الدولي، الملحق باتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني (مونتريال 1988م).
وانضمت المملكة إلى اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية (روما 1988م) والبروتوكول المتعلّق بقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنشآت الثابتة الموجودة على الجرف ا لقاري (روما 1988م)، واتفاقية تمييز المتفجرات البلاستيكية بغرض كشفها (مونتريال 1991م)، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب (نيويورك 1999م)، والاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل (نيويورك 1997م)، واتفاقية قمع الإرهاب النووي (نيويورك 2005م)، واتفاقية الحماية المادية للمواد النووية (فيينا 1980م).
كما انضمت المملكة إلى عدد من المعاهدات الإقليمية في مجال مكافحة الإرهاب، منها معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي (1999م)، ومدوّنة قواعد السلوك لمكافحة الإرهاب الدولي المعتمد من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمر القمة الإسلامي السابع عام (1995)، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب خلال اجتماعات مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب عام 1998م، إضافة إلى الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عام (1996م) عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، واتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب (2004م)، والاستراتيجية الأمنية الموحدة لمكافحة ظاهرة التطرف المصحوب بالإرهاب لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (2003م)، كما وقعت المملكة على اتفاقيات أمنية ثنائية مع عدد من الدول العربية والإسلامية والصديقة، تتضمن بين بنودها مكافحة الإرهاب والتعاون في التصدي له ومحاربته. وخلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة أنطاليا التركية عام 2015م، شدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمة ألقاها خلال جلسة عشاء عمل رؤساء الدول والوفود المشاركة في القمة التي عقدت بعنوان «التحديات العالمية.. الإرهاب وأزمة اللاجئين» على ضرورة مضاعفة المجتمع الدولي لجهوده لاجتثاث الإرهاب، ووصفه بـ «الآفة الخطيرة»، وبأنه داء عالمي لا جنسية له ولا دين. وبناء على أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- حفظه الله- شاركت قوات الأمن السعودية في التمرين الخليجي المشترك الأول للأجهزة الأمنية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، (أمن الخليج العربي1)، الذي استضافته مملكة البحرين الشقيقة خلال الفترة من 24 محرم إلى 17 صفر لعام 1438هـ الموافق 25 أكتوبر إلى 17 نوفمبر 2016م، وذلك تنفيذًا لما تقرر في الاجتماع التشاوري السادس عشر لأصحاب السمو والمعالي وزراء داخلية المجلس الذي تم عقده بالدوحة بتاريخ 29 أبريل 2015م، امتدادًا لسياسات دول المجلس في مواجهة الإرهاب ومحاربته محليًا وإقليميًا ودوليًا، وتعزيز إجراءات العمل الأمني المشترك، ورفع جاهزية القوات الأمنية، والارتقاء بالتنسيق الميداني لأعلى الدرجات، وتوحيد المصطلحات والمفاهيم الأمنية، والوقوف على فاعلية إجراءات القيادة والسيطرة والاتصال بين مراكز العمليات الأمنية في تبادل المعلومات بشكل فوري،وتنفيذ التدابير الأمنية للاستجابة للحالات المختلفة، وإدارة مسارح العمليات في مواجهة المخططات الإرهابية التي تستهدف أمن واستقرار دول المجلس وشعوبها والتدخل في شئونها الداخلية، ومن يقف وراءها.
اهتمام ورعاية
ولقد ظلت المباحث العامة طيلة مسيرتها الزاخرة بالبطولات والتضحيات والعمل بجد وإخلاص من أجل الدين والوطن والمواطن، محل اهتمام سمو ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وتشكل عنصرًا فاعلاً، وجهازًا حيويًا مؤثرًا ضمن منظومة الأجهزة الأمنية الوطنية، وجدت الرعاية والمساندة والدعم والاهتمام من الدولة ممثلة في وزارة الداخلية، وهذا مكنها من أداء دورها ورسالتها على وجه حقق الرضا ولبى الطموحات، وحقق الأهداف التي أنشئت من أجلها. وبقيت صفحاتها ناصعة مضيئة، وتاريخها حافل وزاخر بكل ما يدعو للفخر والاعتزاز، وأخذت تكرس جهدها وتطور خططها وترتقي ببرامجها من أجل حماية الأمن الوطني والمجتمع والاقتصاد الوطني، وصارت لديها إدارات وأقسام واختصاصات وسياسات تتبعها لتنفيذ خططها بالكيفية التي تؤدي إلى المحصلة النهائية وهي درء المخاطر والفتن ومواجهة المهددات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وكثيرًا ما يواجه رجال المباحث العامة مخاطر في سبيل أداء واجبهم الديني والوطني، وهم يقدمون الغالي والنفيس من أجل المواطن والوطن وحماية الأمن والممتلكات والمنشآت ويقدمون التضحيات التي تصل إلى مستوى تقديم الأرواح في سبيل ذلك. ويقدر الأمير محمد بن نايف ويثمن غاليًا تلك الجهود التي تبذلها المباحث العامة وتلك التضحيات التي تقدمها من دماء أفرادها وأرواحهم، حيث قدمت عديدًا من الشهداء من أبناء الوطن ومنسوبي هذا الجهاز الحيوي المهم الذين استشهدوا أثناء أداء مهامهم وقيامهم بواجبهم الديني والوطني.
رعاية أسر الشهداء
إن أبناء وأسر وذوي شهداء الواجب من منسوبي المباحث العامة - كغيرهم من منسوبي الأجهزة الأمنية الأخرى - يجدون الرعاية والاهتمام من الدولة ممثلة في وزارة الداخلية، حيث يحرص صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية على متابعة شؤونهم بصفة شخصية، والتوجيه بتقديم الخدمات لهم على الوجه الأكمل، من إسكان وتعليم ودعم مادي وحج وعلاج. لقد استطاعت المباحث العامة بفضل الله ثم بفضل رجالها المخلصين مكافحة الجريمة بشكل مدروس وبدقة عالية وعناية فائقة، وحققت نجاحات ملموسة على الرغم من اختلاف الظروف وتطور وسائل وأساليب الجرائم والإرهاب ووسائل الاحتيال والغدر والخيانة، وتصدت للمجرمين من متسللين ومفجرين وإرهابيين وضلاليين ومهربين وغيرهم، وقدمت نموذجًا حيًا للجهاز الوطني الحديث الذي يؤدي مهامه بكفاءة ونجاح وجاهزية وخبرة عالية وحماس وصدق وإخلاص وحس أمني رفيع.