حمّاد السالمي
* تعرف البصمة (DNA)؛ بأنها بصمة وراثية، أو طبعة وراثية، أو بصمة الحمض النووي. وهي إحدى وسائل التعرف على الشخص عن طريق مقارنة مقاطع من الحمض النووي (الريبوزي) منقوص الأكسجين. وتعتبر البصمة الوراثية؛ من أهم المنجزات العلمية التي تخدم البشرية في مجال البحث الجنائي من أجل محاربة الجريمة. فكل ما يحتاج إليه المحققون لتحديد البصمة الوراثية؛ هو العثور على دليل بشري في مكان الجريمة مثل: قطرات العرق، والسائل المنوي، والشعر، واللعاب. فكل ما يلمس المرء مهما بلغت بساطة اللمسة؛ سيترك أثراً لبصمة وراثية فريدة.
* ماذا يعني هذا المصطلح العلمي (DNA)..؟ هو دلالة على المادة الوراثية الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية، تلك التي تجعلك مختلفًا. إنها (الشيفرة) التي تقول لكل جسم من أجسامنا: ماذا ستكون..؟! وماذا ستفعل عشرة تريليونات (مليون مليون) من الخلايا..؟! إنها فائدة علمية وعملية كبيرة؛ تحصل عليها البشرية في تاريخها، وجاءت بعد جهود بحثية مضنية للدكتور: (آليك جيفريز)، عالم الوراثة بجامعة (ليستر) بإنجلترا عام 1984م.
* كافة دول العالم تقريبًا، تقر البصمة الوراثية، وتأخذ بها في قضايا أمنية وصحية واجتماعية وخلافها. فهي تساعد على كشف المزورين في المحررات الرسمية، وتسهم في حل مشاكل الميراث، وتكشف عن قضايا غامضة لها صلة بالجرائم الجنائية والإرهابية تحديدًا، وقضايا السرقات المنظمة، وتساعد في حلحلة قضايا الخلاف العائلي المتعلقة بالنسب أو ادعاء الانتساب لغير الأهل. ولكن: هل ستكون البصمة الوراثية دليلاً للأنساب العامة بشكلها الواسع: (العشائري والقبلي)..؟
* هذه مسألة يبدو أنها مستجدة على ميدان العمل بالبصمة الوراثية في بلداننا الخليجية. لم تكن معروفة من قبل، ولا صدرت من جهات رسمية في المملكة العربية السعودية، ولا في أي دولة خليجية -على حد علمي- تنظيمات تجيز العمل بها لكل من هب ودب. دولة الكويت وحدها؛ أصدرت تنظيمًا يجيز الأخذ بها ولكن من جهات رسمية، ثم تعرضت لانتقادات شديدة من جهات قانونية وسياسية واجتماعية، ما اضطر أمير الكويت إلى إصدار أمر بإعادة النظر في هذا القانون.
* أتكلم عن هذا الموضوع من منطلق الخوف على اللحمات الأسرية والعشائرية والقبلية في البلاد. لقد لمست عن قرب؛ اندفاع بعض الأشخاص وبعض المكونات للقبيلة الواحدة والعشيرة الواحدة؛ إلى البحث عن أنساب جديدة حتى في بلدان بعيدة خارج الوطن، وذلك بدافع الشك والريبة. مع أن عشائر المملكة وقبائلها وأسرها؛ لها شجرات أنساب مسلسلة ومعروفة وموثقة في منشورات وكتب؛ تكتسب المصداقية عند أهل الثقة من المؤرخين والموثقين، وساعد على شيوع هذه الظاهرة؛ وجود مواقع على الشبكة العنكبوتية؛ تدعو وتشجع للبحث عن طريقها باستخدام البصمة الوراثية، وهذه (في ظني)؛ حيلة جديدة لابتزاز الناس في أموالهم ومسلماتهم، وهي عملية منفلتة من عقال الرسمية الذي تحكمه أنظمة ولوائح مرتبطة بجهات رسمية، ولها ما لها من آثار سلبية قادمة الله بها عليم. يكفي أن يُشكّكك أحدهم في أصلك وفصلك ونسبك، وعن طريقه وبدراهم معدودة، تكتشف أنك لست من غزية إن غزت، ولكنك من قبيلة في أدغال أفريقيا، أو عشيرة في القوقاز..!
* منذ عدة أشهر؛ وهذه المسألة تحتل صلب الحديث بيني وبين صديقي الإعلامي فهد العيلي. هو يرى أن ما يجري -وقد أصبح شائعًا- هو عمل اجتهادي فردي مجهول الدوافع، فهناك أشخاص يمارسون هذه اللعبة، ويعلنون عن نتائج عشوائية في وسائل التواصل الاجتماعي، ويزعمون أنهم يتعاملون مع شركات موثوقة خارج المملكة..!
* أنا أتفق مع صديقي العيلي في هذه الرؤية وهذا الرأي، فكثير من هذه النتائج تأتي عادة مخالفة لما هو متفق عليه في كتب التاريخ والأنساب، وقد تؤدي إلى صراعات وخلافات عشائرية وقبلية، وتنذر بأمر خطير يقود إلى التفتت والتناحر بين أبناء العشيرة الواحدة والقبيلة الواحدة. إن الشك يساورني ويساور صديقي العيلي بأن هناك من يسعى إلى اختراق اللحمة الوطنية من خلال تشكيك الناس في ثوابتهم النسبية، وبث المزيد من الجدل والخلاف عبر نتائج فحص وراثي يقوم به أفراد مجهولون، يزعمون أنه دقيق وصحيح، وهو غير مشروع، وغير مرخص به رسميًا في المملكة.
* ما رأي الشرع في هذه المسألة..؟
* بودي أن أختم هنا بما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي في دورته العشرين عام 2012م: قرار رقم 194 (9/ 20)، بشأن الإثبات بالقرائن والأمارات المستجدات) جاء: (لا يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا تقدم على اللعان). وجاء في قرار آخر له في دورته السادسة عشر 2002م، رقم: 95 (7/16): (إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب؛ لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية. و: (لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان).
و: (لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس، وصونًا لأنسابهم). و: (يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية: وذكر حالات التنازع ونحوها).