عبد الله بن حمد الحقيل
بالأمس ودعنا الزميل والصديق الأستاذ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد وفي هذا العام افتقدنا عدداً من الزملاء المؤرخين ذوي باع كبير في الدراسات التاريخية الوطنية والعربية وما أقسى الألم وأشد لوعة الفراق حين يرزأ المرء بفقد عزيز عليه ويتمالكه الأسى والحزن لفراقه وموته غير أن ما يهون فداحة الخطب أن المؤمن يدرك أن قضاء الله نافذ والموت حق وهو سبيل كل حي لقد عشنا وإياه زميلين في المعهد العلمي وكلية اللغة العربية ثم وجودنا معاً في وزارة المعارف وكان رحمه الله يتسم بالإخلاص في الأداء والصبر على الإنجاز وكان ملتزماً بالدوام واحترام مواعيد العمل والمشاركة في الاجتماعات وإني إذ أسجل ذكرياتي مع الفقيد بحكم زمالتنا ردحاً طويلاً من العمر أقول ليس لنا أمام قضاء الله وقدره إلا الصبر وجميل الدعاء له بالمغفرة والرحمة ولقد نذر رحمه الله نفسه للعلم والمعرفة والتاريخ والتأليف والتحقيق والتعامل مع أدبيات التراث وأدواته وكتب في العديد من الصحف والمجلات ورأس تحرير مجلة الدعوة كما شاركت وإياه في إعداد المقررات الدراسية وكان مديراً لإدارة الكتب والمقررات المدرسية وحينما ندب للدراسة في لبنان أصر على أن أتولى إدارتها بعده وكان محباً للمعرفة عاشقاً للتاريخ وكثيراً ما كنا نتناقش في الأمور التاريخية فأجده مدققاً ومحققاً يهوى مجالس العلم وزيارة العلماء وكنا نلتقي بعد العصر في مجلس الشيخ حمد الحقيل الذي يرتاده عدد من الأدباء والشعراء حيث يحرص على المشاركة فيها بمداخلاته المفيدة ومحباً للمكتبات وكنت معه في عدة رحلات إلى مصر ولبنان وكان يتزود من المكتبات ما يطفئ أوار ظمئه من العلم والمعرفة.
ولقد تعددت مشاركاته العلمية من حيث الزمان والمكان والموضوع ولقد أنشأ مجلة الشبل للأطفال ومشارك في أعمال دارة الملك عبدالعزيز، ولقد نشر العديد من المقالات التاريخية عن شخصيات أسهمت في تأسيس الدولة وتوثيق أسماء الرجال الستين الذين دخلوا مع الملك عبدالعزيز وكتب تراجم لهم وأخيراً لقد سعدت بصداقته ما يقرب من أربعين سنة لم ينقطع عني فيها ولم أنقطع عنه رحمه الله وأجزل مثوبته وكل نفس يا أبا إبراهيم ذائقة الموت:
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ
يَوْماً عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
إننا حين نحزن لفقد إخواننا وزملائنا نصبّر قلوبنا ونهدئ نفوسنا بقول الشاعر:
يُدَفِّنُ بَعْضُنا بَعضاً وتَمْشِي
أواخِرُنا على هامِ الأوالي
رحم الله الفقيد فقد ترك الكثير مما سيبقيه في ذاكرة إخوانه وأصدقائه، والله أسال أن يلهم الجميع الصبر والسلوان.