د. محمد عبدالله العوين
بدءاً من منتصف الليلة يدخل العالم إلى رحاب عام ميلادي جديد ؛ فننسى بألم كتابة رقم 2016 ونبدأ نتهجى ببلادة كتابة رقم 2017م.
ولكن هل يمكن أن ننسى الرقم الأول؟!
وإن نسينا أهواله ومآسيه هل يمكن أن نتفاءل بالرقم الجديد؟!
ياه .. ماذا نتذكر وماذا ننسى؟!
ماذا يمحى وماذا يبقى محفوراً إلى الأبد في ذاكرة التاريخ؟!
هل نملك المقدرة على تطهير الأرض مما أهريق عليها من دماء بريئة طوال ذلك العام في العراق والشام واليمن وليبيا؟
هل يمكن أن نرمِّم ما تهدّم من أرواح، وما تساقط من آمال، وما تمزق من أحلام، وما تفجّر من وجع، وما تشرّد من آهات؟!
هل يمكن أن تمنحنا الذاكرة المقدرة على أن نشطب منها ملامح أولئك الهاربين من جحيم خراب الديار إلى جحيم منافي العالم مهما بالغ في ادعاء التسامح وإعلان المحبة؟!
كم مدينة دمرتها طائرات وقنابل وبراميل وصواريخ الموت؟ وكم أُسرة دفنت تحت الركام؟ وكم طفل بقي وحيداً بلا أب أو أم أو إخوة؟ وكم مئذنة تصدح بكلمة الحق قصفت؟ ومسجد كان عامراً بذكر الله دمر؟ ومدرسة كانت منارة علم ومعرفة هدمت؟ ومصنع منتج معطٍ يعول بيوتاً ويدر أرزاقاً ويشبع بطوناً ويشغل عقولاً عطّله البطش والطغيان؟!
كم من وجوه منكرة وأصوات نكرة ولغات هجينة وألسنة ذات عجمة، لوّثت نقاء ديار العرب وتاريخ وتراث وقيم وأصالة العرب؟!
كم من وحوش مستأسدة تتسربل بالآدمية تحشدت من كل مصر وقطر وطائفة وملّة لا يدفعها إلاّ التغول في دماء العرب والمسلمين، وإلا الكراهية والعنصرية والشعوبية والثأر والانتقام من كل عربي ومسلم؟!
هل يمكن أن تمنحنا الذاكرة شيئاً من عطف وشيئاً من رحمة؛ لننسى كل هذا الجحيم الذي تصطلي به ديارنا العربية؟!
أما هذا الجديد الذي نحن على مشارفه نترقب ساعة انحسار لياليه المثقلة بالأسى، لنستقبل بكل البهجة لحظة ولادة الدقيقة الأولى المتفائلة المستبشرة المترعة بالمحبة والخير والأمل المورق بكل جميل للإنسانية ؛ فلا ندري والله عما يحمل في أحشائه؟ ولا نعلم عما يخفي في أسطر صفحاته الثلاثمائة والستين من أقدار؟!
لكننا نتمنى ونطلب ونترجّى ونحلم قبل أن تمتلئ الساحات والميادين في عواصم العالم، وقبل أن تتفجّر في الفضاء من كل صوب كرنفالات الأفراح المتلألئة بمختلف الألوان البراقة المضيئة ؛ نتمنى قبل أن تحدث اللحظة الحاسمة الفاصلة بين زمنين، وقبل أن تتوقف عقارب الساعة عند الثانية الأخيرة في الدقيقة الأخيرة في الساعة الأخيرة من العام الثقيل الغارب:
أن يصحو هذا الكائن الآدمي المتوحش المتغطرس المتجبر المغرور بقوة آلته الدموية من ضلاله وتيهه، ويتوقف عن ارتكاب موبقاته وجرائمه في حق الإنسانية .
وأن يفيق العرب والمسلمون من غفلتهم ويعووا ما يكيده أعداؤهم لهم من مؤامرات التفريق والتشتيت والاختلاف ؛ لإضعافهم والاستفراد بهم كالنعاج الشاردة واحدة بعد الأخرى .
وأن يعلم العرب والمسلمون أنّ أعداءهم لا يفرقون بينهم على أي مذهب أو طائفة أو أيدلوجية أو اتجاه كانوا ؛ فالطائرات المدمرة والقنابل الفراغية والغازات القاتلة التي يطلقها الأعداء لا تقرأ ولا تفهم العلامات الفارقة بين الطوائف والمذاهب والقبائل والجنسيات ؛ فالمهم أن تجري عميلة تغيير ديموغرافي بالإبادة أو التهجير كما يحدث في سوريا والعراق .
ما نتمناه ونحلم به أن يكون عام 2017م عام يقظة وصحوة من الغفلة والضعف والتواكل والاختلاف والتكايد .
ما نتمناه ألاّ تشبه ليلتنا الجديدة القادمة ليلتنا الغاربة القاتمة .