قاسم حول
افتتح مهرجان زاكورة السينمائي يوم السبت 22 من شهر ديسمبر 2016 وسط احتفاليات تراثية تقليدية لهذه المدينة الصحراوية في المغرب. حضرها جمهور غفير من أبناء المدينة ومن أنحاء العالم من المخرجين والممثلين والنقاد، برعاية أحمد الصامودي عامل أقليم زاكوره. وقد القى رئيس المهرجان أحمد شهيد كلمة الافتتاح وأعلن عن بدء دورة المهرجان الثالثة عشر وهو يتحدث عن الحلم والصمود في مواصلة المهرجان وتطويره لما يخدم السينما المغربية والسينما في أنحاء العالم.
كما حضر المهرجان منظمات مغربية ذات بعد دولي تعني بالعلاقات الإنسانية الصحية والاجتماعية في الاستفادة من عالم السينما لأغراض تربوية وبنيوية في المجتمع المغربي. كما حضرت جمعية السينما الجوالة التي توصل السينما لكل فئات المجتمع المغربي أينما بعدت. إذ تنتقي الأفلام المناسبة للمجتمع المغربي وتعمم الثقافة السينمائية. وفي ليلة الافتتاح التي حضرها عمدة مدينة زاكورة وعدد من أبناء القوات المسلحة المغربية تم تكريم عدد من المبدعين المغاربة الذين أثروا عالم السينما المغربية والعالمية.
تتكون لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة من عبد القادر الشاوي رئيساً للجنة التحكيم وهو باحث وروائي مغربي وعضوية المخرج السنغالي موسى توري والناقد التونسي محرز قروي والممثلة المغربي ثريا العلوي. والمخرج المصري أحمد رشوان والناقد السينمائي المغربي محمد شويكه.
ولأول مرة تخصص جوائز أساسية تضاف إلى جوائز المهرجان وهي جوائز «اللجنة الفيدرالية الإفريقية للنقد السينمائي وتتشكل هذه اللجنة من الناقدة السينمائية السنيغالية «فاتو كيني سيني» و»بابيلي أبراهام» من بوركينا فاسو» والناقد السينمائي المغربي «نعيم رشيد» وقد أعلن المهرجان شعاره لهذا العام وهو النقد مكون أساسي في السينما.
كما يولي المهرجان أهمية خاصة للسيناريو وتتكون لجنة تحكيم أحسن سيناريو سينمائي من رئيس اللحنة «عثمان أشقرى» وهو روائي وكاتب سيناريو مغربي «الحسين شاني» وهو مخرج وكاتب سيناريو مغربي و»سميرة مقداد» وهو كاتبة سيناريو مغربية ومديرية مكتب مجلة سيدتي في المغرب.
ثم صعد المسرح مدير المهرجان قادر أخوادر والذي أخرج أول فيلم روائي في تاريخه الثقافي هو فيلم «أحلام واحة» وكتقليد لمهرجان زاكورة وكثير من مهرجانات السينما في كون فيلم الافتتاح لا يدخل ضمن المسابقة، فإن هذا الفيلم السينمائي المهم في السينما المغربية لم يدخل المسابقة الرسمية، وقد أعلن أن الفيلم قد صور في واحة زاكورة بالكامل عن حكاية شخصين أحدهما في خريف العمر والآخر في مقتبل العمر، يصفهما الفيلم بأن أحدهما مثل سفينة تتقاذفها الرياح والثاني مثل شجرة جذورة تمتد عميقة في الأرض، وهي أرض خصبة ولكن تتقاذفها الحروب، وكان لقاؤهما مصادفة في الواحة ولهذه المصادفة تبعاتها. لقد تفاعل جمهور المهرجان مع هذه التجربة كونها تجربة المدينة سينمائياً بكاملها وأنتج الفيلم بميزانية مخفضة وغير منفوخة كما الأفلام الروائية الكثيرة التي تنتج بالمغرب والمدعومة من قبل المركز السينمائي المغربي، لكن هذه السينما لم تؤثّر ميزانيتها المخفضة على نوعية الفيلم ومستواه وبنيته السينمائية. وحقاً أثبت المخرج «عزيز أخوادر» قدرة فائقة في إدارة الممثلين وفي تحريك الكاميرا، فحقق افتتاحاً مدهشاً لمهرجان زاكورة مع أن المهرجان نجح في اختياراته السينمائية ومستوى الأفلام والمخرجين في مهرجان مهمته ثقافية كبيرة وليست شكلية ومظهرية. أخذنا رأي الناقد كاظم الصبر وهو كاتب سيناريو في هذا الفيلم «أحلام واحة» ولقد لعب عدد من الممثلين المحترفين أدوار الفيلم وفي المقدمة منهم الممثل والنجم العالمي كمال موماد، إضافة إلى عبد الهادي طهراش، وهاجر الشركي وهاجر كريكع ورفيق بوبكر ويوسف فرطاس.
أخذنا رأي الناقد السينمائي والمخرج كاظم الصبر في انطباعاته عن هذه التجربة المغاربية الجديدة.
يقول كاظم الصبر:
«أعتقد أن تجربة المخرج تجربة مثيرة وتؤسس لما يمكن أن نسميه سينما المدن الهامشية، ربما لا نكون مغالين إذا قلنا كما لو أن ما يُسمى بالمسرح الفقير، المخرج يقدّم لنا سينما فقيرة في إمكانياتها والميزانية الصغيرة التي رصدت لإنجاز الفيلم وبإمكانات المخرج المتواضعة والطاقم الفني والتقني الذين شاركه الفيلم. أحسسنا بأن ثمة صدق كبير في الأداء الذي قدمه الجميع في هذا الفيلم وخاصة بأنهم يناضلون من أجل أن ينجز هذا الفيلم في مدينتهم زاكورا. الرجل المخرج يستحق كل تقدير وكل احترام إذا ما وضعنا مقارنة بينه وبين الآخرين الذين ترصد لإعمالهم الملا يين دون أن يحققوا النتيجة التي توصل إليها المخرج على المستويين الفكري والجمالي. هذا لا يجعلني أتوقف كثيراً عند بعض الملاحظات من ناحية التصوير وحركة الكاميرا وأيضاً بسبب عدم توفر تحت إمرة مدير التصوير من أدوات تساعده على تحريك الكاميرا والتغلب على الإشكالات التي كانت تتطلبها طبيعة المشاهد والتصوير الصحراوي بشكل خاص وإربكات في بعض مفاصل بناء السيناريو ولغة السينما بشكل ولكن هذا لا يقلّل من أهمية الفيلم وجماله الذي يبدو لأهل وهلة بسيطاً، لكن هذه البساطة تأتي انعكاساً لواقع زاكورا البسيط والطيب. الفيلم لم تعطى الأهمية المطلوبة لعكس موضوعة الظمأ لكن الفيلم حقق بعداً اجتماعياً حققيقاً وصادقاً لواحة زاكوره التي أعطت مضموناً إنسانياًً.»
إن فيلم أحلام واحة ومع أنه عرض في نهاية هذا العام 2016 وقد افتتح به المهرجان إلا أنه سوف يدخل عالم المسابقات والمهرجانات السينمائية باعتباره من إنتاج عام 2017 لكنه قدم كهدية لمهرجان زاكورة تجربة فيلم «أحلام واحة» وتجربة المخرج عزيز إخوادر، تجربة تستحق الوقوف إزاءها بإعجاب كبيرة، إذ لا يمكن أن يتصور المشاهد أنها التجربة الأولى لمخرج شاب، بدا المخرج وتجربته في أحلام واحة بأنه يمتلك خبرة سنوات طوال في السينما. هو عاشق سينما حقيقي وكونه في إدارة مهرجان مهم لثلاث عشرة دورة أكسبته دون شك خبرة الأفلام وخبرة صناعة سينما جديدة في المغرب.
إن مدينة زاكورة المغربية بأجوائها الصحراوية وواحاتها ونخيلها وسكانها تجلب صناع السينما كموقع تصوير لأفلامهم. وكثير من الأفلام قد صورت في هذه المدينة وأضفت على موضوعات السينما سحراً متميزاً، فأجوائها المناخية وطبيعتها الساحرة تستهوي صنّاع السينما وهم يكتبون حكايات تتناسب والمدينة وتنوع مواقعها، هذه الأجواء منحت فيلم «أحلام واحة» هذا الجمال إضافة إلى بساطة القصة وعمقها الذي صيغ بسيناريو محكم لفيلم متقن منح السينما المغربية في تاريخها لوناً جديداً من السينما الحديثة والمعاصرة بكل مفردات لغتها التعبيرية.
أول فيلم صور في زاكورة هو فيلم إيطالي بعنوان «شاي في الصحراء» للمخرج الإيطالي الكبير «برتولوتشي» عن رواية الكاتب الأمريكي «بول بولز» كما صورت أجزاء ومشاهد من أفلام عالمية كثيرة مستفيدة من أجواء الصحراء وطبيعة البناء التراثي التاريخي. من أهداف مهرجان زاكورة منذ تأسيس استقطاب الاستثمارات السينمائية العالمية والوطنية، وقد استطاع لحد الآن استقطاب أكثر من سبعة أفلام مغربية كما يعد المخرج والناقد السينمائي السنغالي «موسى توري»
واصل المهرجان عروض أفلام المسابقة التي سنوافي قراء الجزيرة ومتابعي السينما بطبيعة هذه الأفلام وقيمتها الفكرية والفنية، والمنافسة الثقافية بين الأفلام للفوز بجوائز المهرجان.