فيصل أكرم
ما أكبر الغائب حين يحضر فيك، لا أمامك ولا إلى جانبك، بل فيك أنت وهو لا يزال غائباً عن مكان أنت فيه.. وما أصغر الحاضر أمامك وإلى جانبك ومن حواليك حين يغيب عنك، رغم وجودكما معاً في مكان واحد، حتى تكاد تتفحص الوجود هل هو خالٍ منك أيضاً كما يخلو منه؟ ربما لا، ولا المكان.. غير أن الحضور هنا لم يكن لائقاً بالوجود، كما أن الغياب في الحالة الأولى كان غير لائق بالوجود أيضاً.. فحضر الغائبُ وحاضرٌ غابْ.
هل كنتُ أعني أحداً من الأصحاب؟
قلتُ: الوجود..
وفي الوجود، يحدثُ أحياناً
أن تخرج وحدكَ من وحدتك
لتبحث عن شجرةٍ واحدة... واحدة فقط
تتقرب إليها بكلّ الأسفار
تتخيّلها
وتتخيّل أنك تتأمّلها
تجلس تحت مظلتها
عند ساقها الوحيدة
وتغار عليها كلها، من نفسك حتى
ومن الأمطار
وتسكب عمرك من أجلها..
ترويها بالدمعة حيناً
وأحياناً تقرأ على أوراقها الرطبة
ما جفّ بين شفتيك من أشعار
وتفتح كفك كيما تردّ الريحَ عنها
وهي، في مقابل ذلك
تمنحك أجمل لحظاتك
تفتح في عمرك كلّ الأعمار
فأنت الآن وحيد الشجرة
وهذه الشجرة، وحدها.. فقط
تملك روح العطر، وتحفظ عمق السرّ
وتشرع قلبك على أزمنة دارت بها الريحُ من حولها
لغةً..
يحدث أحياناً أن تتعلّم وحدكَ
لغةَ شجرةٍ وحيدة
وترسم وجهك، كل صباح
على ظلال شجرةٍ تشبهها
غير أنها ليست وحيدة مثلكَ
ولا هي مثل شجرتك الوحيدة
يحدث أحياناً أنك الغائب عنها
وتحسبها غائبة وبعيدة
يحدث أحياناً
أن الشجرة أوفى منكَ، ومن يديك
بحقّ الحلم الضائع فيكَ، وبين عينيك
وأحياناً يحدثُ.. أنك تشعر ببعض حقيقتها
وأنت تتذكّر.
وللذاكرة حالات من الكشف تتجاوز الوعي بالحاضر، وتتجاوز أيضاً تخيّلات غياب سيكون.. هل ثمة غياب سيكون أكثر مما كان؟ مؤكد هذا، كتأكيد حضور كان أكثر مما سيكون؛ ولكن.. قليلاً ما نتذكّر، وأقلّ منه أن نشعر.