سهام القحطاني
«يشكل فقدان الذاكرة التاريخي ظاهرة خطيرة.. لأنه يهيئ الأساس للجرائم القادمة التي لم تحدث بعد» -نعوم تشومسكي-.
لم يكن قانون جاستا بالشيء الجديد المستغرب من دولة عظمى ليست راعية للإرهاب بل هي مؤسسة ثقافة الإرهاب في التاريخ الإنساني الحديث بدءًا من الهنود الحمّر مرور بالفيتنام ونيكاراغو، لكن الأمر ها هنا كما يقول نعوم تشومسكي مرتبط «بفقدان الذاكرة التاريخي».
قد يحتسب البعض قانون جاستا «العدالة ضد رعاة الإرهاب» ضمن فصل جديد من فصول المؤامرة على الدول العربية، ومن لا يؤمن بمسألة المؤامرة، قد تقوده فطنته إلى فكرة «الابتزاز» التي تتدلى برأسها من شرفة ذلك «القانون العنصري» و»استغلال» نقطة ضعف الدول المتمثلة في ميل بعض شبابها إلى التطرف الديني.
وقد يرى طرف ثالث أن جاستا هو استدارة لحكاية «الحرب على الإرهاب» التي منحت أمريكا سلطة فوق القانون استباحت سيادة الدول وأهلكت الأخضر واليابس، وها هي اليوم تعيد سيناريو الحكاية القديمة بالاستدارة، لكن هذه المرة خانها التوفيق، رغم تعمدها صنع تشابه ما بين ظرفيات كلا الحكايتين.
لم تكن أمريكا قادرة أن تسنّ لنفسها سلطة تتجاوز القوانين الدولية من خلال المصطلحات الفضفاضة التي تُجيّز لها استباحة سيادة دول الشرق العربية وتفكيكها وبث الفتنة بين أبنائها مصطلحات مثل «الحرب على الإرهاب» و»الحرب الاستباقية» و»دول محور الشر» لولا «أحداث الحادي عشر من أيلول» تلك الأحداث التي منحتها صلاحية مفتوحة لاتهام الدول التي تسعى أمريكا إلى تفكيكها ونهب ثرواتها وإضعافها من أجل حماية إسرائيل بعلاقة تمويل ومساندة للقاعدة وأسامة بن لادن، لأن العالم لم يعدّ يصدق دولة الإرهاب العظمى.
وجاستا يقول لنا ما أشبه اليوم بالبارحة، وها هي أمريكا تسعى مرة ثانية إلى «دراما»تشبه أحداث الحادي عشر من أيلول لتُعيد الحكاية ذاتها ولكن هذه المرة بصورة هزلية ساخرة تعلن عن سذاجة دولة الرجل العجوز.
تحاول أمريكا اليوم إضعاف دول الخليج وإعادة استدارة مصطلح دول محور الشر، من خلال قانون جاستا كما فعلت مع العراق وتفعل الآن مع سوريا.
وهي الدولة التي يتشكل إطار صورتها كما يصفها تشومسكي «بالعنف والضرب بالقانون عرض الحائط..، كل ذلك يتلطى تحت شعارات خادعة».
لكن ما غاب عن الحكومة الأمريكية التي خططت لمثل هذا القانون»الابتزازي»لسيادة الدول العربية وأموالها، إن مراهنتها على تأييده العالمي وتصديق حيثياته وحتى الأمريكي كما حدث مع حربها على الإرهاب غير موفق، ولا يمكن تكراره كما حدث مع أحداث الحادي عشر، لأمرين هما: غياب الدراما المنظورة المستقِطبة للتوافق الوجداني، فكل من توافق وجدانيًا مع إجراءات أمريكا في حربها على الإرهاب شاهد فظاعة ما حدث من حريق البرجين والضحايا سواء أكانت تلك الأحداث بيد صهيونية أو متطرفة، لكن قانون جاستا هنا أُسس على ظنيات وهرطقات عنصرية لن تجذب أي توافق أو تعاطف أو تأييد عالمي أو أمريكي له.
والأمر الثاني، أن من يكذب المرة الأولى سيكذب المرة الثانية، لقد اكتشف الشعب الأمريكي وشعوب العالم أن الحرب على العراق أو ما يسمى الحرب على الإرهاب بٌني على «أكاذيب» صاغها الفريق الرئاسي لجورج بوش الابن، وهو ما رفع مصداقية أي إدعاء آخر يدور في فلك «الحرب على الإرهاب».
إذا كانت أحداث الحادي عشر نفذّت تفكيك الوحدة العربية باسم الحرب على الإرهاب وأسقطت العراق، فقانون جاستا يسعى للابتزاز السيادي والمالي للدول العربيةالمُؤثِرة باسم الحرب أيضًا على الإرهاب والمنطق الكاذب ذاته الذي سحب العالم إلى مجازر حرب أمريكا على العالم؛ العدالة والمحافظة على حقوق الأمريكيين وحمايتهم من الإرهاب لتظل أمريكا «مدينة التل».