يعتبر مالك بن نبي أحد المفكرين العرب والإسلاميين الكبار الذين أثروا الساحة الفكرية بنقاشات ونظريات وحوارات كان لها الأثر الكبير في الدراسات السياسية والفلسفية والتاريخية أيضاً في هذا القرن كمحمد عابد الجابري ومحمد جابر الأنصاري، حيث إن النهج الفلسفي في نقد العقل العربي وتحولات العصر مشابه إلى حد كبير مع اختلاف الأسلوب والطريقة مع أسبقيته! وكتابه (شروط النهضة) الأبرز في تحليل ونتائج وآلية النهوض بالأمة بعد السبات الشتوي والصيفي الطويل والتخلف الحضاري والاختلاف الفكري والعقدي الذي ضرب الأمة من قرون عديدة حتى جعلها كالمارد الذي لا تحمله رجلاه على النهوض وكلما أراد الاستيقاظ كان له الأعداء بالمرصاد!! وهو امتداد لمؤلفات أخرى أدرجها تحت مسمّى (مشكلات الحضارة).
أراد مالك بن نبي أن ينهض الجزائريون خاصة لينفضوا غبار الاحتلال الفرنسي الذي غيّب العقول وجثم على قلوبهم قرن من الزمان ونصف، وللمسلمين والعرب عامة فكانت نظرياته هدفاً للشعوب المغلوبة والمحتلّة بشكل عام!
عندما بدأ كتابه بأنشودة رمزية يحث فيها الشعب بكل أطيافه للنهوض من عتمة الظلام إلى الفجر الجديد وهو يرى ضوءاً يقترب من آخر النفق إنما كانت هذه مقدمة حماسية تحمل في طيّاتها عنفوان المقاومة والثورة المنظمة، ثورة على التخلف وعلى النمطية التقليديّة ثورة على المحتل المستبد بسلاح العلم والمعرفة والفكر وتمهيداً للخطة التي تنتظر الشباب في عنوان آخر باسم (دور الأبطال)، كان المجاهد عبدالقادر الجزائري القدوة والمثال الذي فيها يحتذى به وهو قائد الأبطال نحو الوثبة الجديدة! وهو كذلك! وهذا تمهيد نحو الافتكاك والعتق من عبودية الاحتلال والتسلح للعدو المتربّص وإشارة إلى عدم التقاعس عن مطالبة الحقوق!
ركز بن نبي على كليات المجتمع الأساسية التي بها تنهض الأمم كالأخلاق العامة في المعاملات والسلوك والمال والأمانة والتقليد المحبط الذي يمحو الهوية ووضع المرأة في مكانها الصحيح وعدم الالتفات لمن يريدها مبتذلة كحالها في الغرب! وعندما تطرق للتربية جعلها شاملة للإنسان في المجتمع ولم يجعلها فردية ولو كان كذلك أيضاً لكان أفضل حيث إن الأساسيات في المجتمعات كلها تبدأ دائماً من الفرد وتربيته داخل الأسرة ثم تنشئته داخل مجتمع المدرسة والعمل ثم المحيط به داخل مجموعة الأصدقاء بعد أن يكتسب المهارات الأخلاقية مع اختلاف وجهات النظر تبدأ الجماعات بالنهوض بالمجتمع الصغير ثم يكون على مستوى الدولة وهكذا! ولربما أراد بن نبي في شروط النهضة أن يُجمل القواعد العامة التي ذكرها ابن خلدون في مقدمته بالتفصيل مع تغير في المصطلحات أحياناً وزاد عليها ما طرأ على زمنه! ولكنّ الفرق أن ابن خلدون أراد تشخيص حالة اجتماعية في وقته وقد تستمر إلى زمن آخر وهذا صحيح! بينما هنا ابن نبي أراد العلاج الناجع والدواء الذي يستفيق منه المريض الذي طال برؤه، مع مواكبة الزمن واللحاق بركب الحضارة الجديد، وجملة القول أن كتاب بن نبي الذي كتبه سنة 1947م باللغة الفرنسية وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية حينما شعر أن هناك حلقة مفقودة في الدول المستعمرة وأنها تُكمن في فسيولوجية الأفراد والمجتمعات التي هي وقود الحضارة وازدهارها، يُعد من الدراسات الفلسفية الاجتماعية البارزة في القرن العشرين التي وضعت أو حاولت أن تضع الأمة على الطريق الصحيح المؤدي إلى حضارة عربية إسلامية تنافس، وتنجح. وتتفوق بعامل المنهج الرباني المستقيم بأدواته الأساسية لو سارت المجتمعات كما ينبغي لها أن تسير بهذه الطريقة الصحيحة التي تسمو بالإنسان نحو عُمارة الأرض كما أمر الله عباده المؤمنين.
- زياد السبيت