الأمهات الجميلات صورة عن قصائدهن بل إن الشعر صورة عنهن، إنهن تلك الشموس الشتائية الساطعة بدفء ساحر ونهار فتي، هن تلك الجبال الخصيبة تتلقى المطر بحب كبير ومن أحضانها تنحدر عذوبة المياه روابي لا تتوقف عن تلقي مطر السماء بأطيب الهدايا المعشبة.
من أولئك أمي.. إنها تذهلني بطريقة عنايتها بالبيئة فقد خصصت في البيت أوان منها ما يختص بالورق ورق الجرائد ورق الدفاتر والأوراق الأخرى مثل الفواتير والإعلانات الصحافية والتجارية التي توضع تحت الأبواب الخارجية للبيت، حتى أنها لا ترمي العلب الفارغة بل تجمعها لتستفيد منها الأماكن التي تهتم بتعقيمها والاستفادة منها مجددا وتجمع بقايا لاصقات جبسون التي تضعها على ركبتيها لتلقي بها بعيدا عن المأكولات. أليس في هذا السلوك إجلال للنعم ودوام لها؟
بدا سلوكها هذا نموذجا وقدوة للعائلة ليس عائلتها الصغيرة وحسب بل وللعائلة الأكبر حيث بدأ بعضهم وبعضهن يحذو حذوها في فضيلة تقدير النعم وصيانتها.
ولا تكتفي أمي بذلك القدر من التكريم للنعم بل شمل تكريمها ذاك للبيئة كذلك فهي إذ تجمع الأوراق تبعث بها إلى أماكن تستفيد من الورق، كما أنها تجمع بقايا اللحم والعظم في أوان خاصة ويأخذها أخي يوميا إلى الكلاب في مزرعتنا. وأما الخبز والخضار التالفة وما تبقى من مأكولاتنا اليومية فهي للماشية التي في مزرعتنا كذلك. ولكل شيء لديها إناءه الخاص به كبقايا علب البطاطس والهمبرجر. وما شابهها.
أفلا تستحق سيدة من هذا الطراز تكريما فريدا من منظمات المحافظة على البيئة والنعمة؟!. بلى تستحق وعلى أعلى المستويات.
لا أشك بأن أماً تقوم بما تقوم به أمي ستظل بذلك الخارطة المعرفية للنسوة اللاتي لم يقطعن أيديهن لأن الجمال الذي استمد عناصره منها لمستقبله يبدأ من شرفة عينها الشاعرة ويتوهج في خيالها الجامح دون سبق..
لا ألام على قولي بأنني سوف أتخذها بوصلة للجهات وساعة من رخاء فهي الوحيدة الفريدة التي باستطاعتها أن تفسح للمدى أوقاتا باستطاعتها أن تسترخي كمنحدر وتحيل فضته نهرا كل سمكة تستعذبه تترك ملوحتها للشواطئ من أجلها.
- هدى الدغفق