سلمان بن محمد العُمري
في الوقت الذي يتلذّذ فيه بعضهم بدخول فصل الشتاء لما يتوافر لديهم من خيرٍكثير ومالٍ وفير فيؤمّنون الأصناف المتنوعة من الأطعمة والأغذية، ويخرجون للتنزّه وينصبون المخيمات ويؤمنون في منازلهم كميات من الحطب بقصد التسلية لا التدفئة. فإن هناك كثير من الفقراء لدينا وفي بلدان أخرى يعانون من هذا الفصل وما يصاحبه عادة من برد شديد وأمطار وعواصف وصواعق فلا وسائل تدفئة ولا ملابس واقية، وربما عانوا داخل منازلهم من هطول الأمطار واستحالة مقاومة انخفاض درجات الحرارة مع قلة الطعام والغذاء، وشتان بين الفريقين فريق يترقب دخوله ليفرح ويسعد، وفريق يتعوذ منه ويحذّر منه.
والفريق الأول قد كفاه الله فأغناه والآخر يعد أيام وليالي الشتاء من الأيام الشدائد، ويحتاج إلى العون والمساعدة بما يقيه من برد الشتاء ويدفع عنه أذاه فهو بحاجة للملابس المناسبة وبحاجة للتدفئة ولملاحف النوم الثقيلة وللطعام والغذاء الذي يعينه على تحمل ظروف الجو التي تسبب الأمراض والأوجاع وربما أدّت إلى الوفاة. ومن رحمة الله بعباده أن قدر هذه الظروف بما في ديننا من التيسير والسماحة فهناك المسح على الجوارب للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، ويجوز في بعض الأحوال في الشتاء إذا وجد سبب المشقة من مطر أو ثلج أو وحل أو رياح شديدة الجمع بين الصلوات كصلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. ومن السنة التبكير بصلاة الظهر عند شدة البرد، كما يحسن الإبراد بها عند شدة الحر ويجوز لباس القفازين في الصلاة للحاجة، كما يجوز تغطية الفم عند الضرورة، ويكره لعدم الحاجة.
وهذه بعض الخصائص لفصل الشتاء التي تبيّن سماحة الإسلام ويسره وتبين أن هذا الفصل دون غيره فيه مشقة وكلفة على الضعفاء سواء من المسنين أو الفقراء.
ومن المعلوم أن في مجتمعاتنا ولله الحمد من الظواهر الطيبة المباركة والسنة الحميدة ما لا نراه في مجتمعات أخرى. وكما رأينا وسمعنا عن مبادرات فردية وجماعية ومؤسسية لتقديم ملابس شتوية للفقراء والمساكين ليس في داخل المدن والقرى فقط. بل تعدى ذلك إلى الصحاري والفيافي وشمل رعاة الأغنام في الصحراء، ووزع عليهم الملابس المناسبة كما وزعت (البطانيات) وأجهزة التدفئة على الأسر وعلى مساكن العمال، وهناك من يعد الأطعمة بصفة يومية ومن الأسر من يخرجون المشروبات الساخنة أمام منازلهم طوال فصل الشتاء ليستفيد منها العمالة وغيرهم، وهناك من حمل هماً أكبر وأوسع، وتلمس حاجة البلدان الفقيرة وأمن الملابس وكسوة الشتاء للفقراء والضعفاء في هذه الديار,
ومما يجدر الإشادة إليه والتنويه عنه ما تقوم به بعض الجمعيات الخيرية المحلية لدينا من جهدٍ ملموس في الإعلان المبكر وقبل دخول الفصل عن تنظيم حملات للتبرع بكسوة الشتاء ومساعدة الأسر المحتاجة ويشمل ذلك الملابس والملاحف والمدفأة والطعام وكل ذلك انطلاقاً مما رغب وحثنا عليه ديننا الإسلامي.
ولكن هناك من الميسورين وذوي الكفاية هم في غفلة حتى عن أقربائهم وعن أبناء مجتمعهم ولربما أنفق في رحلة برية وتهيئة مخيم بآلاف الريالات واستكثر على أهل العوز مبالغ يسيرة لكسوة أو لطعام.
إننا نحمد الله عز وجل أننا لا نرى في بيوتنا ما نراه في البلدان الأوربية والمدن الأمريكية من أناس يبيتون على الأرصفة Home Less بلا مأوى في أشد درجات الحرارة برودة وصقيعاً، ولكن هذا لا يعني أنه ليس لدينا فقراء من المتعففين الذين يحسبهم الناس أغنياء وهم في حاجة ليس في الشتاء فحسب بل ربما طوال العام، و لاشك أن البحث عن هؤلاء مطلوب ليس في المدن فقط بل في القرى والهجر فإمكانات بعض الجمعيات الخيرية في هذه المناطق ضعيفة ولا تستطيع أن تفي بحاجة هؤلاء، كما أن على المدرسين والمدرسات الذين يلحظون على بعض الطلاب والطالبات الحاجة في أحوالهم من ملابس وتجهيزات أخرى أن يبادروا في تأمين حاجاتهم بالتعاون وتقديم ما يلزم قربة إلى الله بالدعم المادي أو التواصل مع الجمعيات الخيرية كجمعيات البر وجمعيات الأيتام « إنسان « وغيرها ممن لهم اهتمام بهذا الشأن. وربما كان لدى بعضهم من المشاغل والأعمال التي لا تساعده على تفقد أحوال إخوانه من المحتاجين، ولقد يسر الله على المحسنين الكلفة والبحث عن المحتاجين فهناك جمعيات خيرية وفروالهم الوقت والجهد وأعانوهم على إيصال الصدقات والزكوات لمستحقيها دون عناء أو مشقة على المحسن وهذا العمل من المحسن ومن الجمعية هو من أسمى أبواب التعاون على البر والتقوى. قال تعالى : «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم».