الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تمر الأمة الإسلامية اليوم في مرحلة حرجة من مراحل التاريخ الإسلامي من حيث الضعف والهوان، وتعيش واقعاً مريراً من خلال الهجمات الشرسة من أعداء الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وتسلّطهم على الأمة الإسلامية التي مزّقتها مؤامرات الأعداء المخططة لها للنيل منها وبمؤازرة العملاء.
ويؤكّد العاملون والمهتمون في العمل الإسلامي من ضرورة مواجهة تلك التحديات للنهوض بالأمة وتغيير واقعها وصناعة حضارتها، مشيرين إلى الدور الذي يمكن أن تضطلع به المملكة العربية السعودية بصفتها بلاد الحرمين الشريفين، ورائدة العمل الإسلامي للنهوض بأمة الإسلام ولم شتاتها ومعالجة خلافاتها، وتوحيد صفوفها للتغلب على التحديات والمشكلات التي تواجهها.
وفيما يلي مشاركاتهم التي أدلوا بها لـ»الجزيرة» على النحو التالي:
خطة إستراتيجية
بدايةً يشير الشيخ زيد بكار مفتي عكار بلبنان تفاءلوا بالخير تجدوه، هكذا نستطيع أن نقول أمام الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمة اليوم، فالله تعالى يقول: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، ولا أريد أن أطيل في توصيف الواقع المرير الذي بلغت إليه أحوال الأمة، لكننا لا نتشاءم ولا يمكن أن ننكر حالة الوعي التي وصلت إليها الأمة الإسلامية، لكن في مجملها لا تزال فردية وبحاجة إلى مزيد تنسيق وإدارة وإرادة، ولا شك بأن بناء الفرد يسبق بناء المجتمع، والنبي صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته بمكة دعوة فردية وسرية ثم لما كثر العدد صار يجتمع مع الصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم ثم بعد ذلك جهر بالدعوة وأعلنها، ولكن يبقى البناء الفردي كاسمه فردياً لا يثمر الثمرة المرجوة حتى يتم التنسيق بين جميع أفراده للاستفادة من كل الطاقات والجهود والخروج بمشروع النهضة الحضاري للأمة.
ولا شك أن هناك جهودا تقوم بها بعض المنظمات والمؤسسات والهيئات لتوحيد الجهود ووضع الرؤية والأهداف والاستفادة من الطاقات الشبابية والنسائية، ولكن حتى هذه الجهود أيضا بحاجة إلى منظومة واحدة توجهها وترشدها.
وإن أولى من يقوم بدور الجامع الناظم لهذه الجهود كلها هو: المملكة العربية السعودية بما حباها الله من خصائص ففيها مكة والمدينة وهي تضم الحرمين الشريفين، ولها مكانتها ومنزلتها في قلوب المسلمين والعالم أجمع، وهي التي حملت راية الدين بوسطيته واعتداله دون غلو وتطرف ودون تمييع وتفريط، وحملته بصفائه ونقائه بعيدا عن البدع والشرك والخزعبلات.
ويكون ذلك بعقد مؤتمر عام يدعى إليه كل المخلصين الصادقين القائمين على العمل الإسلامي وتحدد فيه الأهداف وتوضع الرؤية وتذكر الوسائل التي ينبغي عملها والسير بها، ومن بعده تنطلق البرامج والمشاريع ضمن خطة إستراتيجية تهدف لإعادة هذه الأمة إلى سابق عهدها، أمة ترجع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
قمع المسلمين
ويقول د. عبدالعزيز بن إبراهيم العُمري أستاذ السيرة النبوية وعضو مجلس الأمناء بالندوة العالمية للشباب الإسلامي أولاً علينا أن ندرك أن الأمة الإسلامية بأوضاعها الحالية سيئة جداً، وأن هناك محاولات نهوض مختلفة، وليس الأمر جديداً، بل هو من بعد الحرب العالمية الأولى حيث طغى الاستعمار واحتل العالم الإسلامي والعربي. وهناك محاولات نهوض، وأيضاً هناك محاولات بل جهود عرقلة من قِبَلِ من استعمر عالمنا الإسلامي أو احتله وأداره فكرياً واقتصادياً وسياسياً. ولذلك هذه المحاولات الجادة لا شك أنها ستثمر بإذن الله في يوم من الأيام، والغرب بالدرجة الأولى يخشى من النهوض في العالم الإسلامي؛ ولذلك ما يجري في المنطقة من زعزعة للأمن واضطرابات وإشعال للحروب والفتن وإظهار أطياف مختلفة باسم الإسلامي -وهي إرهابية بعيدة عنه- هذا كله يحظى بنوع من الدعم والتحريك من قِبَلِ أعداء الأمة. وإني لا أشك أن الغرب له دور في ذلك، ومن منطلق محاولة قمع المسلمين عن العودة للصف الحضاري الأول في العالم، فإن محاولات غربية متعددة تجري. وما صنع وإيجاد إسرائيل في المنطقة إلا لهذا الهدف ولعرقلة نهوض الأمة حالياً أو مستقبلاً ومحاولة نسيانها وإلهائها بالصراع مع إسرائيل بالدرجة الأولى تلك المدعومة والمسنودة من قِبَلِ الغرب.
خندق واحد
ويشير د. عبدالحليم عبدالله أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أرتوقلو تركيا إلى أن العالم كلّه يتّحد ويتضامن بكل مكوناته وطوائفه ودياناته في وجه الإسلام السني فقط، فلا مشكلة بينهم وبين إيران ومَنْ جعلها مرجعيته، بل على العكس تماما هما أنصار في خندق واحد ضد الإسلام السني..
غير أنّ الإعلان بالعداء للإسلام السني، لم يكن بصريح اللفظ والعبارة لكنه شيء يفهمه اللبيب من خلال المواقف السياسية، والأفعال، إلا أنه خرج إلى العلن في تصريحات سيرغي لافروف في شأن الانتقال السلطة في سوريا عندما قال: لن نسمح للإسلام السني بأن يصل إلى الحكم في سوريا.
وعند الحديث عن الأمة الإسلامية السنية وموقعها ونهضتها، علينا أن نميز في الإسلام السني بين مكوِّنين اثنين: المكوِّن السنِّي العربي، والمكوّن السنِّي غير العربي.. وهنا علينا أن نسأل أنفسنا عن موقعنا في سلم التطور المادي الحضاري والتقدّم التقني، وعن احتياجاتنا ومواردنا، وعن كفاياتنا.. وعندها سنجد أنفسنا بعيدين كل البعد عن الريادة وعن موقع السبق، ما عدا تجربتين أو ثلاث تجارب، غير أن هذه التجارب وإنْ كانت ناجحة إلى حدٍّ ما لكنها نجاحها المحدود هذا لا تشكل ثقلا على الساحة الدولية العالمية ولا يُحسب لها حساب وذلك لأمرين: المكوِّن السني العربي فهو من الضعف بمكان أنّه لا يُحسب له حساب على الساحة الدولية.
والمكوّن العربي السني بكل إمكانياته المادية لم يتمكن من إنهاء محنة السوريين وشلالات دمائهم المتدفقة منذ خمس سنوات،و من بين أسباب ذلك عدم وجود قوة صناعية حقيقية تحقق الاستقلال الحقيقي للدول، وأعني ههنا الصناعات الثقيلة كصناعة المعامل والأسلحة والآلات، والخفيفة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، أما ما نشهده من استثمار صناعي في بعض الدول العربية فهو لا يصل إلى الحدّ المرجو الذي يُعوَّل عليه في نهضة اقتصادية.
وكذلك اختلاف الدول العربية وعدم اتفاقها بل إن بعضها متناحرة فيما بينها إما بشكل خفي أو شكل جلي، وهذه الخلافات تضعف من شأن هذه الدول، وتدفعها للتحالف في محاور خارجية خوفا على نفسها.
ومما تعانيه الدول العربية والإسلامية هجرة الأدمغة وخلاصة الكلام: الدول تُبنى على أكتاف المخلصين، ولكنها تُبنى بقرار سياسي من الحاكم فيعطي قوة للشعب، ويستمدُّ قوته من الشعب، الأمل بالسعودية كبير الآن لِأَنْ تلعب هذا الدور، وخصوصا بعد الاهتمام الذي أبداه الملك سلمان بشؤون المنطقة، وإذا أخذت السعودية هذا الدور ستكون مرجعية لدول الإسلام السني، كالدور الذي تلعبه إيران للمكون الشيعي، وذلك يتطلب العمل على تحقيق الاكتفاء والاستغناء الصناعي بكل أشكاله، وخصوصا الصناعات الثقيلة والأسلحة والطيران، عن طريق تفريخ العلماء والبعثات وبناء البنى اللازمة لذلك.
والتحالف مع الدولة الإسلامية السنية ذات مشروع النهضة، واستقطاب الدول الإسلامية الأخرى صغيرةً وكبيرةً خيرٌ من تركها للنفوذ الإيراني أو الدول الغربية.