تحتفل دول الخليج العربية في الثلاثين من ديسمبر من كل عام بـ(يوم الحياة الفطرية الخليجي) الذي يصادف هذا العام يوم الجمعة، الموافق لغرة شهر ربيع الثاني لعام 1438هـ، وتحتفل دول مجلس التعاون الخليجي بهذا اليوم في هذا العام تحت شعار (معاً للمحافظة على الحياة الفطرية).
إن هذا الاحتفال الذي توليه دول المجلس أهمية كبيرة من كل عام، يأتي انطلاقا من اهتمام هذه الدول بأهمية المحافظة على الحياة الفطرية وتعزيز مفهوم الوعي البيئي لدى مواطني دول المجلس، خاصة لدى النشء منهم، ولا أدل على ذلك الاهتمام من توقيع واعتماد دول المجلس لاتفاقية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية خلال انعقاد المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في دورته الثانية والعشرين بالعاصمة العمانية
-مسقط-، وذلك خلال الفترة من 30 إلى 31-12-2001م.
ويوضح توقيع دول المجلس لهذه الاتفاقية بجلاء تام، اهتمام أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي، بالعناية بالحياة الفطرية على المستوى الخليجي أولاً، ثم على المستوى العالمي، والدور الذي من الممكن أن تؤديه جهود المحافظة على الحياة الفطرية في دعم الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والترفيهية لدى الدول الأعضاء.
إن النمو الاقتصادي المتسارع الذي شهدته دول المجلس خلال العقود الثلاثة الماضية، وما واكبه من تغيرات وتأثيرات بيئية سلبية في بعض جوانبها، دفع بقادة دول المجلس وأصحاب القرار المعنيين إلى ضرورة تخفيف الجوانب السلبية إلى أدنى مستوياتها قدر الإمكان.
ولكي تنجح هذه الجهود كان لزاما أن يكون العمل البيئي المشترك، خاصة في مجال المحافظة على الحياة الفطرية منسجما ومتوازيا مع التغييرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، حيث يعتبر الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية المتجددة كافة، ركيزة أساسية من ركائز المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية.
لقد صاحب هذا النمو الاقتصادي المتسارع كثير من التهديدات البيئية التي أدت إلى فقد بعض من الأنواع الفطرية وتدمير مواطنها الطبيعية، وعلى النظم البيئية التي تشكل ملاذا آمنا للكثير من الأنواع الفطرية.
ومن هذا المنطلق، وإدراكا من قادة دول المجلس للأهمية البالغة للمحافظة على الحياة الفطرية، فقد تكللت هذه الجهود من خلال الاتفاقية المنوه عنها أعلاه.
ولعل من أبرز ما جاء في هذه الاتفاقية، أن تحافظ الدول الأعضاء على الحياة الفطرية في حالة سليمة متنامية، وبخاصة الأنواع المهددة بالانقراض ولا سيما عندما يتجاوز انتشار هذه الأنواع الحدود الدولية لدولتين جارتين أو أكثر، أو حينما تهاجر هذه الأنواع عبر تلك الدول بما في ذلك المياه الإقليمية والمجال الجوي الخاضع لسيادتها، وقد التزمت الدول الأطراف في الاتفاقية بتطوير وتطبيق الأنظمة والسياسات والخطط بما يؤدي إلى المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية وإعادة تأهيلها وضمان الاستغلال المستدام لها.
ويتحقق ذلك من خلال سن وتطبيق وتطوير التشريعات والقوانين والأنظمة الملائمة، وحماية وإدارة مساحات كافية من المواطن المناسبة للحياة الفطرية كمناطق محمية وإقامة شبكة وطنية متكاملة من المناطق المحمية، إلى جانب سن الأنظمة والقوانين والتشريعات المتعلقة بالمحافظة على الحياة الفطرية، وذلك وفقاً للمعايير الدولية والتشريعات الوطنية، العمل على وقاية الحياة الفطرية وبيئاتها من كل التهديدات، كالتلوث والتدهور البيئي واتخاذ التدابير الكفيلة بمكافحتها والسيطرة عليها فور حدوثها لتقليل تأثيراتها، واشتراط القيام بدراسات لتقويم الأثر البيئي للمشروعات التنموية كافة قبل البدء في تنفيذ هذه المشروعات، وإيجاد آلية لمتابعة تنفيذ المقاييس والاشتراطات البيئية المعتمدة في كل دولة، الاهتمام بالتعليم البيئي للتوعية بأهمية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية وبالأخص على مستوى التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، مع العمل على نشر الوعي بأهمية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية باستخدام وسائل الإعلام المختلفة والتعاون في مجال البحوث وتبادل المعلومات والخبرات وتدريب الكوادر المتخصصة وإيجاد الحلول للمشكلات المشتركة المتعلقة بإدارة الموارد الطبيعية.
وتصنف الاتفاقية أنواع الحياة الفطرية في دول المجلس في ثلاثة ملاحق، ويشمل الملحق الأول نحو 99 نوعاً من المجموعة النباتية في أراضي الدول الأطراف في الاتفاقية التي ينبغي حمايتها وحظر وتنظيم قطع أو اقتلاع أجزاء منها إلا للأغراض العلمية المصرح بها، أمّا الملحق الثاني فيشمل نحو 32 نوعاً من الحيوانات البرية في الدول الأطراف في الاتفاقية التي ينبغي حمايتها وحظر أشكال الصيد أو القتل المتعمد أو تدمير البيئة كافة، وأخيراً يشمل المحلق الثالث نحو 95 نوعاً من الحيوانات البرية في الدول الأطراف في الاتفاقية التي ينبغي استغلالها بشكل مرشد.
لقد أولت الدول الأعضاء مجتمعة هذه الاتفاقية أهمية كبيرة، وذلك من خلال تبني أصحاب السمو والمعالي وزراء البيئة في دول المجلس لمفهوم التنوع الأحيائي في مناقشاتهم واجتماعاتهم وطرح العديد من البرامج والمبادرات التي من شأنها المساهمة في المحافظة على الحياة الفطرية بشكل خاص والتنوع الأحيائي بشكل عام.
لقد ساهم انضمام دول المجلس للعديد من الاتفاقيات الدولية التي تعنى بالمحافظة على التنوع الأحيائي كاتفاقية التنوع الأحيائي ومعاهدة بون لحفظ الأنواع المهاجرة واتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من مجموعة الحيوان والنباتات الفطرية، في تعزيز الإجراءات التي اتخذتها دول المجلس للمحافظة على ما تبقى من الأنواع الفطرية المهددة بالانقراض في بيئاتها الطبيعية، وكذلك المحافظة على العديد من النظم البيئية التي تشكل ملاذات آمنة للعديد من هذه الأنواع، وهو تأكيد والتزام يوليه قادة هذه الدول -حفظهم الله- بأهمية كبيرة للمحافظة على الحياة الفطرية وتنوعها الأحيائي، وذلك بالقدر الذي يضمن استمرارها للأجيال القادمة وتحقيق التنمية المستدامة.
د. محمد بن سعيد المطيري - مدير عام الدراسات والأبحاث - الهيئة السعودية للحياة الفطرية