أ.د. حمد بن ناصر الدخيِّل
أدركت المجمعة في نهاية عصر الطين، فكانت جميع مبانيها منه كسائر بلدان نجد في تلك الأيام المواضي، تحمل عبق الماضي المجيد، وتبث طيوب الأصالة، والكرم، وتشع إطلالة التاريخ القديم، أحياؤها متقاربة، دليل إلف ومحبة وانسجام بين السكان. وكثير من بيوتها واسعة، وطرقاتها ممتدة. عَرَفَتْ الطريق الدائري قبل أن تعرفه المدن الحديثة، رأيت السيارات تدور حولها من جهاتها الأربع. ينطلق الطريق - مثلاً - من قصر الملك عبدالعزيز (قصر الإمارة) شرقي البلدة، ويتجه شمالاً، ثم ينعطف بميل نحو الغرب مروراً بحيّ العقدة، ثم يدلف إلى السوق القديم، ويأخذ غرباً نحو باب الرُّمَيْلة، فحويزة، ثم يهبط يساراً في مجرى وادي المشقر والمعيذر حيث اقتربنا بين المباني شرقاً والنخيل غرباً، وينعطف يساراً أيضاً تاركاً جبل القُوَيرة على يمينه، وحائط البكرية على يساره حتى يلتقي بمدخل المجمعة الغربي الذي يوصل إلى الفشخاء، والسدّين وأشي، والحمادة، وسائر بلدان الوشم، ويتجه جنوباً حتى يلب الموضع الذي انطلق منه. كانت ثمة أحياء جديدة أخذت في النشأة والامتداد خارج السور الذي أدركتُ منه شذرات ومقاصير، ومن أبرز هذه الأحياء حي موافق الملاصق للسور الجنوبي، وحي الربطاء، وحي السبيخة، وحي المرقب (الجديد) وحي الظهيرة، وهو من أحدث الأحياء الطينية، مرتفع من الأرض محدود المساحة، عرفته قبل أن يتحول إلى منازل، وكان على جانب الطريق الذي تحف به أماكن النساجين وصناعة النسيج اليدوي، وقد حفروا في الأرض حفراً هي من مستلزمات نسجهم مفارش الصوف والسياح والعباءات البرق، شرع في بنائه في حدود عام 1377هـ، وقام البناء فيه هبة واحدة، فأحدث أزمة وغلاء في اليد العاملة، وخشب الأثل وتجهيز اللبن، ونجارة الأبواب، ونقل الغريف من بطون الحوائط والنخيل، وعرف هذا الحي شيئاً من التطور في تشييد البيوت وتجهيزها مثل البيارات، والحمامات العربية، وتسميت الأرضيات، ولاسيما المجالس، وتجصيص الجدران.
كان هذا الحيُّ آخر عصر البناء بالطين في المجمعة. وأول بناء بني في المجمعة بالبلك والإسمنت - فيما رأيت - منزل صغير على هيأة بيوت الطين شيده المعلم حسين حسونة (1903 - 1981م) من رام الله بفلسطين ممن غادروها عام 1948م بعد النكبة وهزيمة الجيوش العربية، تولى إدارة المدرسة السعودية الأولى. يقع البيت الذي شيده جنوب المسجد الجامع الجديد، يفصل بينهما شارع، وكان مطلياً باللون الأخضر، كان يسمى (عمارة حسين)، ولا سور له، فحيطان الغرف هي السور. وتزامن معه في الإنشاء مبنى المستشفى، وشيد الشيخان عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، وعثمان بن حمد الحقيل قصرين متجاورين على ربوة من الأرض جنوبي المجمعة، وبنى الشيخ حمد بن عبد الله السناني منزله الأول بالقرب من المسجد الجامع الجديد وعمارة حسين. ولا تزال هذه المباني تصارع الفناء الذي أوشك أن يغلبها. وشيد لشيخان بعد ذلك المسجد الجامع الجديد، شيدته في بنائه الأول شركة النصر السعودية بين عامي 1380 - 1383هـ، وكان مهندسوها وفنيو البناء من المصريين، وعمالها من اليمن. وعقب ذلك بنى المعلم محمد بن مقحم دارة له بناءً مسلحاً بجوار ركية الربطاء. وإنما ذكرت هذه المباني دون غيرها؛ لأنها كانت في طريقنا للدراسة في المدرسة السعودية ثم في المعهد العلمي. وكانت هذه بداية البناء المسلح منشآت حكومية ومساكن أهلية. واستمر على هذا النمط إلى جانب البناء بالحجارة المشذبة، والتسقيف بالخشب المستورد الذي يتصف بالاستقامة والصلابة والجمال، وله منظر رائع إذا دهن بلون أخضر أو أزرق. وَمثَّل إنشاء صندوق التنمية العقاري عام 1394هـ/ 1974م نَقْلة كبيرة في بناء المساكن، وامتداد العمران، وكثرة الأحياء التي استجدت، وتضاعفت رقعة المدينة أضعافاً عما كانت عليه قبل تيسير القروض العقارية للمواطنين. كنت أرى هذا التطور العمراني من خلال زياراتي القصيرة المتباعدة، ولم يتح لي أن أسكنها منذ أن غادرتها في مطلع عام 1385هـ/ 1965م للدراسة في الرياض، وبعد التخرج طوّح بي التعيين مدرساً إلى بلدة أخرى لم يكن الوصول إليها سهلاً؛ لأن الطريق إليها غير معبد. ولم تثمر شفاعة الوجيه حمد بن عبدالله السناني لدى الشيخ عبدالعزيز بن عبد الرحمن المسند المدير العام للكليات والمعاهد العلمية آنذاك بطلب تعييني في معهد المجمعة العلمي؛ فقد رغب أن يكتب إليه من غير أن أطلب منه ذلك. وكان القائم على تعيين المدرسين ونقلهم آذاك مدير التفتيش الفني عثمان بن سيار. ثم نقلني التعيين نقلة بعيدة أبعدتني عن منطقة نجد كلها، وبعد أن أمضيتُ بعيداً عنها. ثلاث سنوات بدأتُ فيها أمهد للدراسات العليا بعد الجامعة، ورأيت أن الرياض توفر الجو المناسب للدراسة والبحث؛ لوجود المكتبات والمصادر، فقلت رغبتي للانتقال إلى المجمعة للسبب الذي ذكرته، فلم تكن وسائل الدراسة العليا متاحة فيها مثلها الآن، فكانت الرياض هي المحطة الأخيرة.
فألقت عصاها واستقر بها النوى
كما قَرَّ عيناً بالإياب المسافرُ
وشغلت بالتدريس والدراسة طوال سنوات كنت خلالها أزور المجمعة لماماً، وأراقب نموها المستمر، واتساع رقعتها، وكثرة من يفدون إليها للإقامة والسكنى، وأدركت أن البلدة سيكون لها شأن، وتوقعت لها مستقبلاً مشرقاً؛ إذ استقطبت أعداداً كثيرة من البادية والهجر التابعة لها، مثلوا نسبة كبيرة من السكان، وكان لهم إسهامهم في بناء المساكن، وامتداد مساحة المدينة، والمشاركة في نهضتها عمرانيّاً وإداريّاً وتجارياً. ولكن مما يحز في النفس أنَّ كثيراً من أبنائها رحلوا عنها إلى حيث يجدون الوظائف والدراسات الجامعية في المدن، ولا سيما الرياض. وليس لدي إحصاء عمن رحل عنها من أبنائها خلال خمسين أو ستين عاماً، فهم كثر، وإن كنت أقدر عددهم بأكثر مَنْ وفدوا إليها من الأماكن المجاورة خلال هذه المدة. كان بعضهم يعاتبني في تركي المجمعة ونزوحي إلى الرياض، فكنت أعتذر منهم بالعمل، ولا أنسى ذلك العتاب الرقيق الذي تلقيته أكثر من مرة من الشيخ الفاضل سليمان بن عبد الله العسكر - رحمه الله - إمام المسجد الجامع القديم، فقد كان تقيّاً وطنياً محبّاً لبلده، ويود أن يلتئم شمل المجمعة بأبنائها النازحين. وسوف أتحدث عنه حينما أكتب عن ذكرياتي في المدرسة السعودية الأولى؛ فقد كان أحد معلميها. ولبعدي عن المجمعة كنت ألج أحياناً سوقها القديم فلا أعرف ممن يصادفني إلا القليل. وشبيه بهذا ما ذكره لي الوجيه بدر بن عبد العزيز بن عبد الله العسكر - رحمه الله - الذي تولى إمارة القويعية ووادي الدواسر قبل أن تتحولا إلى محافظتين أنه كان مرة في سوق المجمعة، والوقت شتاء، وقد ارتدى معطفاً طويلاً وغترة (كوفية) من الصوف، فإذا شابان ينظران إليه ويقول أحدهما للآخر: هذا من الشمال، يعني شمال المملكة. والعجب في هذا أن الجيل الناشئ لا يعرفون مواطنيهم الذين أمضوا سنوات كثيرة من أعمارهم قبل أن يرحلوا عنها.
عند بداية تخطيط المجمعة تخطيطاً حديثاً بعد نشأة صندوق التنمية العقارية لم يكن التخطيط على المستوى المأمول؛ فالشوارع التي استحدثت كانت ضيقة إلى الحد الذي لا تتمكن المركبة أن تتحول من مسارها إلى المسار المقابل لأول مرة، فلابد من الرجوع إلى الخلف ثم الانعطاف، وقد يتكرر ذلك أكثر من مرة، والنموذج الأشهر في ذلك طريق الملك فيصل - رحمه الله - الذي يخترق وسط المجمعة من الجنوب حتى يصل شمالاً إلى السوق القديم. وتخطيطه كان من مسؤولية بلدية المجمعة في ذلك الوقت، وكان ينبغي لها أن تتجاوز هذه النظرة الضيقة في تصميم الشوارع والميادين. ويبقى هذا الطريق في وضعه الحالي لا يتناسب مع قامة الملك فيصل.
اكتسبت المجمعة نقلة نوعية من التطور ولا سيما في ميدان التعليم الجامعي حينما افتتحت فيها كلية المجتمع التابعة لجامعة الملك سعود إلى جانب كلية التربية للبنات، وشرفت بإلقاء محاضرة في كلية المجتمع عنوانها (سدير في الشعر العربي القديم) مساء يوم الاثنين 1-6-1430هـ الموافق 25-9-2009م.
وحققت شهرة واسعة بإنشاء جامعة المجمعة التي امتدت كلياتها إلى سدير والزلفي ورماح، وكانت مقصد الطلاب من جميع أنحاء المملكة للدراسة في كلياتها.
في المجمعة - وكل مدينة صغيرة - تتنفس هواءً نقيّاً غير ملوث، تشعر أنك تشم نسيماً كما خلقه الله، وتتخلص من وعثاء المدن الكبيرة المزدحمة بالسكان، فالطريق مفتوحة، ومواقف السيارات متاحة، وتنجز أعمالك مهما كثرت في يسر، وفي أوقات وجيزة، وتحس أنك تعيش حياة مطمئنة هانئة هادئة بعيدة عن صخب المدن وضوضاء الحركة، وضياع الأوقات الطويلة جداً في الشوارع المكتظة بأرتال السيارات التي تضارع السكان كثرة، وما يسببه ذلك كله من انحراف في صحة الجسد والنفس على المدى القصير أو الطويل. مداخل المجمعة تفتح نفس القادم، ولاسيما القادم من جهة الرياض، فاللمسات الجمالية على المداخل والتشجير والنظافة والنافورات، وسعة الشوارع سكبت على منظرها بهاءً، وتشعر حين تدلف إليها أنك خرجت من قفر الصحراء إلى واحة. ترى الأشجار تزهو بخضرتها اللامعة في حين نرى الأشجار والنخيل في المدن الكبيرة يعلوها غبار أسود شبيه بالسناج نتيجة للتلوث المركز، ونحن نشارك الأشجار في استشناق هذا الهواء الملبد بالهياب الأسود. هل رأيتم البنايات القديمة في المدن الكبيرة كيف حال لونها إلى سواد!!
أبدى لي عدد من الأشخاص إعجابهم بالمجمعة جمالاً وتنسيقاً، من هؤلاء معالي الشيخ الدكتور صالح بن سعود العلي، والأخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري الذي أبدى إعجابه الشديد بالمجمعة تنظيماً وتنسيقاً ونظافة. ويمكن أن تصبح ببذل مزيد من الجهود المتظافرة نموذجاً فريداً لمدينة صغيرة؛ فهي على وضعها الحالي تغري بالسكن، فجميع ما في المدن الكبيرة متوافر فيها من خدمات وأسواق وبنوك وبضائع، وأماكن للتنزه، والرحلات القصيرة، يضاف إلى ذلك ما تمتاز به من جو معتدل، وبخاصة في ليالي أشهر الصيف، تشعر بخطرات النسيم الباردة حين تأوي الشمس، وفيها من الآثار والأماكن التي تغري بالسياحة وتجذب السياح. وللتطور الحضاري إن لم نحسن تدبيره وتسييره تأثير سيء على الموروث القديم؛ فصاحب تطور المجمعة غياب بعض معالمها القديمة، فقصر الملك عبد العزيز الذي كان مقراً للإمارة هدم، على الرغم من أنه كان يمثل نوعاً من العمارة فريداً، وهو معلم سياحي فقدته المجمعة، والمزارع القديمة التي كانت تحيط بها، وتمتد امتداد الأودية هجرت، فتهدمت أسوارها، وذوت نخيلها، وكان في الإمكان أن تبقى حية نضرة، يجدد غرسها وتؤهل تربتها، ويبنى ما يتهدم من أسوارها، وتبرز معلماً زراعيّاً من معالم المجمعة.
مزارع المجمعة ونخيلها الأثرية لا تعوضها تلك المزارع الصغيرة المتناثرة حولها يعلوها الغبار، وتشكو الظمأ والقحط، تأخذ ولا تعطي. والسور الذي كان يحيط بالبلدة تهدم، ولم يبق منه شيء، وكان بالإمكان المحافظة عليه بالترميم والصيانة، ويندرج ضمن هذا القصور الكبيرة التي عُني أصحابها بتشييدها، فذهبت طعمة سائغة للجرافات. مما حزنت له كثيراً أنني حين زرت الفشخاء يوماً فوجئت أن سورها الجنوبي أصبح أثراً بعد عين، هدم بحجة توسيع الطريق، مع أن الطريق واسع تنفذ منه السيارة، وتهدم بهدمه بيوت، فأصبحت الفشخاء تشكو بمبانيها المتهدمة ظلم الإنسان وجوره على معالم الحياة وآثارها. لو كنت شاعراً لأنشأت مرثية عنوانها (رثاء سور). كان سوراً شامخاً متين البنيان يتكون من طبقتين، طبقة قديمة، وطبقة أحدث منها، بنيت تقوية ودعماً لها، بني بعروق الطين، والبناء بها أقوى من البناء باللبن، لم يتغير ولم يتفتت ولم يسقط منه شيء منذ أن أدركته، سمكه يقارب المتر أو يزيد، علوه نحو ستة أمتار، في طرفه الشرقي مقصورة، وأخرى في طرفه الغربي، وفي منتصف السور بوابة كبيرة يلج منها الجمل يسمى (باب البر)، كان مبنياً بالحجارة والطين والجص، وأعلاه مسقوف بخشب الأثل، كنا نتظلل تحته من الشمس، وكان بابه منزوعاً حين رأيته أول مرة. وأحدثت فيه نقبة (فتحة)، ليلج منها ممن هم خارج السور؛ للصلاة في مسجد الفشخاء الوحيد، وهي تقابل السكة التي يقع فيها منزلنا. والمناطق حول المجمعة وحرمة وما بين المجمعة وأشي مناطق آثار قيمة، وهي من الأماكن التي سكنها الإنسان منذ آلاف السنين، وعرفنا من تاريخها منذ المدة المعروفة من العصر الجاهلي بما وصل إلينا من نصوص لغوية وشعرية وأخبار، وهي مدة تقرب من مئتي عام قبل الإسلام، ووسط الجزيرة العربية (إقليم نجد) لم يحظ حتى الآن بمسح شامل دقيق لآثاره التي انطمرت تحت الأرض، ومنها منازل وآبار حفرها الجاهليون ومن أتى بعدهم، والكهوف التي كانت منازل مستطابة في الصيف والشتاء. وفي منطقة وادي المشقر (الوَدَاء قديماً) كهوف واسعة استخدمها الإنسان منذ أن درج في هذه الأمكنة، وهي جديرة بأن تكون موضع دراسات أثرية وتاريخية. وأقترح على جامعة المجمعة الفتية أن تسعى لافتتاح كلية تعنى بالآثار والتاريخ، وتوجه اهتمامها في المقام الأول إلى دراسة آثار منطقة سدير وتاريخها المرتبطة بالآثار وغير المرتبطة بها. وأرى أن مجال الدراسة واسع متشعب، ولمادة الأثرية والتاريخية خصبة؛ فالمكان حفل بنشاط بشري منذ أعصر قديمة، ولا تزال الأرض تحتفظ بآثار مناشط الإنسان، وبعضها نراها عيانا كالكهوف والرجوم ومنارات الطرق، وآثار الديار المتمثلة في أكوام الحجارة التي نراها في أماكن كثيرة، وبعضها تحت الأرض مدفون كالآبار والرسوس القديمة، وأساسات البناء، وأقسامه، والقبور، وأشياء من مخلفات حياة الإنسان في أزمان سحيقة.
اكتشف الأثريون في العصر الحديث بلدة كاملة في إيطاليا، هي بلدة بومبي، غمرتها مقذوفات بركان فيزوف الذائبة عام 79م، وظهرت بعد نزع الحمم البركانية كما كانت يوم غطتها مواد البركان السائلة.
تشهد المجمعة الآن نهضة عمرانية كبيرة، أسهمت في إيجاد أحياء جديدة، ما كنا نتصور في يوم من الأيام أن عمران المجمعة سيصل إليها، وازدانت هذه الأحياء كغيرها بالمؤسسات الحكومية والتجارية والمنازل الجميلة والشوارع الواسعة.
وكانت المجمعة منذ البدء موضع اهتمام قيادتنا الموفقة، وتوجت هذا الاهتمام بتعيين صاحب السمو الأمير النشط عبد الرحمن بن عبد الله بن فيصل آل سعود محافظاً لها، حينما كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أعانه الله - أمير منطقة الرياض، وكان لسمو المحافظ منذ أن تولى منصبه أثر ملحوظ في نهضة المحافظة، واتساع نشاطها الإداري والتجاري والعلمي والثقافي، وأصبحت مدينة متكاملة جاذبة للسكنى، ففيها من السكان من جميع أطياف المملكة.
تقوم بلدية محافظة المجمعة بدور نشط في جميع المهمات الموكلة إليها، وتحرص أن تحظى المحافظة بتوفير الخدمات البلدية المتاحة، وعلى رأسها النظافة. وأرى أن هذه الخدمة - خدمة النظافة - لا يمكن أن تتم على الوجه المطلوب إلا بتعاون السكان ليس في المجمعة فحسب، بل في جميع أنحاء الدنيا، فلا يمكن لأي بلد أن يكون نموذجاً لبلد نظيف ما دام سكانه يرمون مخلفاتهم في الطرقات والشوارع وأمام المحلات والأسواق والتموينات كما نشاهد في كبريات المدن. عندما أقطع الطريق بين الرياض والمجمعة أشاهد عمال النظافة على جانبي الطريق يجمعون المخلفات التي يرميها المسافرون من مركباتهم، وفي محطات وقوفهم، وأرى الزكائب على الطريق ملأى بما جمعوه. أليس لهذا من حَلّ؟ بلى إن الحل موجود وهو يسير لو تخلت وزارة الشؤون البلدية والقروية عن تساهلها وتسامحها في تطبيق النظام الذي نراه صارماً في دول كثيرة. بإمكاننا أن نتخلى عن نصف العاملين في قطاع النظافة لو ألزمنا السكان بالنظام، وحاسبنا من يخل به. لو أتينا بملايين عمال النظافة لن تصبح مدننا نظيفة ما دامت المخلفات ترمى في الشوارع من السيارات وأمام المحلات، وفي أماكن النزه والحدائق والاستراحات، فهل تعي وزارة الشؤون البلدية والقروية ذلك؟! وإذا وعت فهل تسعى إلى تطبيق النظام بجد وصرامة؟!
كان هذا الحيُّ آخر عصر البناء بالطين في المجمعة. وأول بناء بني في المجمعة بالبلك والإسمنت - فيما رأيت - منزل صغير على هيأة بيوت الطين شيده المعلم حسين حسونة (1903 - 1981م) من رام الله بفلسطين ممن غادروها عام 1948م بعد النكبة وهزيمة الجيوش العربية، تولى إدارة المدرسة السعودية الأولى. يقع البيت الذي شيده جنوب المسجد الجامع الجديد، يفصل بينهما شارع، وكان مطلياً باللون الأخضر، كان يسمى (عمارة حسين)، ولا سور له، فحيطان الغرف هي السور. وتزامن معه في الإنشاء مبنى المستشفى، وشيد الشيخان عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، وعثمان بن حمد الحقيل قصرين متجاورين على ربوة من الأرض جنوبي المجمعة، وبنى الشيخ حمد بن عبد الله السناني منزله الأول بالقرب من المسجد الجامع الجديد وعمارة حسين. ولا تزال هذه المباني تصارع الفناء الذي أوشك أن يغلبها. وشيد لشيخان بعد ذلك المسجد الجامع الجديد، شيدته في بنائه الأول شركة النصر السعودية بين عامي 1380 - 1383هـ، وكان مهندسوها وفنيو البناء من المصريين، وعمالها من اليمن. وعقب ذلك بنى المعلم محمد بن مقحم دارة له بناءً مسلحاً بجوار ركية الربطاء. وإنما ذكرت هذه المباني دون غيرها؛ لأنها كانت في طريقنا للدراسة في المدرسة السعودية ثم في المعهد العلمي. وكانت هذه بداية البناء المسلح منشآت حكومية ومساكن أهلية. واستمر على هذا النمط إلى جانب البناء بالحجارة المشذبة، والتسقيف بالخشب المستورد الذي يتصف بالاستقامة والصلابة والجمال، وله منظر رائع إذا دهن بلون أخضر أو أزرق. وَمثَّل إنشاء صندوق التنمية العقاري عام 1394هـ/ 1974م نَقْلة كبيرة في بناء المساكن، وامتداد العمران، وكثرة الأحياء التي استجدت، وتضاعفت رقعة المدينة أضعافاً عما كانت عليه قبل تيسير القروض العقارية للمواطنين. كنت أرى هذا التطور العمراني من خلال زياراتي القصيرة المتباعدة، ولم يتح لي أن أسكنها منذ أن غادرتها في مطلع عام 1385هـ/ 1965م للدراسة في الرياض، وبعد التخرج طوّح بي التعيين مدرساً إلى بلدة أخرى لم يكن الوصول إليها سهلاً؛ لأن الطريق إليها غير معبد. ولم تثمر شفاعة الوجيه حمد بن عبدالله السناني لدى الشيخ عبدالعزيز بن عبد الرحمن المسند المدير العام للكليات والمعاهد العلمية آنذاك بطلب تعييني في معهد المجمعة العلمي؛ فقد رغب أن يكتب إليه من غير أن أطلب منه ذلك. وكان القائم على تعيين المدرسين ونقلهم آذاك مدير التفتيش الفني عثمان بن سيار. ثم نقلني التعيين نقلة بعيدة أبعدتني عن منطقة نجد كلها، وبعد أن أمضيتُ بعيداً عنها. ثلاث سنوات بدأتُ فيها أمهد للدراسات العليا بعد الجامعة، ورأيت أن الرياض توفر الجو المناسب للدراسة والبحث؛ لوجود المكتبات والمصادر، فقلت رغبتي للانتقال إلى المجمعة للسبب الذي ذكرته، فلم تكن وسائل الدراسة العليا متاحة فيها مثلها الآن، فكانت الرياض هي المحطة الأخيرة.
فألقت عصاها واستقر بها النوى
كما قَرَّ عيناً بالإياب المسافرُ
وشغلت بالتدريس والدراسة طوال سنوات كنت خلالها أزور المجمعة لماماً، وأراقب نموها المستمر، واتساع رقعتها، وكثرة من يفدون إليها للإقامة والسكنى، وأدركت أن البلدة سيكون لها شأن، وتوقعت لها مستقبلاً مشرقاً؛ إذ استقطبت أعداداً كثيرة من البادية والهجر التابعة لها، مثلوا نسبة كبيرة من السكان، وكان لهم إسهامهم في بناء المساكن، وامتداد مساحة المدينة، والمشاركة في نهضتها عمرانيّاً وإداريّاً وتجارياً. ولكن مما يحز في النفس أنَّ كثيراً من أبنائها رحلوا عنها إلى حيث يجدون الوظائف والدراسات الجامعية في المدن، ولا سيما الرياض. وليس لدي إحصاء عمن رحل عنها من أبنائها خلال خمسين أو ستين عاماً، فهم كثر، وإن كنت أقدر عددهم بأكثر مَنْ وفدوا إليها من الأماكن المجاورة خلال هذه المدة. كان بعضهم يعاتبني في تركي المجمعة ونزوحي إلى الرياض، فكنت أعتذر منهم بالعمل، ولا أنسى ذلك العتاب الرقيق الذي تلقيته أكثر من مرة من الشيخ الفاضل سليمان بن عبد الله العسكر - رحمه الله - إمام المسجد الجامع القديم، فقد كان تقيّاً وطنياً محبّاً لبلده، ويود أن يلتئم شمل المجمعة بأبنائها النازحين. وسوف أتحدث عنه حينما أكتب عن ذكرياتي في المدرسة السعودية الأولى؛ فقد كان أحد معلميها. ولبعدي عن المجمعة كنت ألج أحياناً سوقها القديم فلا أعرف ممن يصادفني إلا القليل. وشبيه بهذا ما ذكره لي الوجيه بدر بن عبد العزيز بن عبد الله العسكر - رحمه الله - الذي تولى إمارة القويعية ووادي الدواسر قبل أن تتحولا إلى محافظتين أنه كان مرة في سوق المجمعة، والوقت شتاء، وقد ارتدى معطفاً طويلاً وغترة (كوفية) من الصوف، فإذا شابان ينظران إليه ويقول أحدهما للآخر: هذا من الشمال، يعني شمال المملكة. والعجب في هذا أن الجيل الناشئ لا يعرفون مواطنيهم الذين أمضوا سنوات كثيرة من أعمارهم قبل أن يرحلوا عنها.
عند بداية تخطيط المجمعة تخطيطاً حديثاً بعد نشأة صندوق التنمية العقارية لم يكن التخطيط على المستوى المأمول؛ فالشوارع التي استحدثت كانت ضيقة إلى الحد الذي لا تتمكن المركبة أن تتحول من مسارها إلى المسار المقابل لأول مرة، فلابد من الرجوع إلى الخلف ثم الانعطاف، وقد يتكرر ذلك أكثر من مرة، والنموذج الأشهر في ذلك طريق الملك فيصل - رحمه الله - الذي يخترق وسط المجمعة من الجنوب حتى يصل شمالاً إلى السوق القديم. وتخطيطه كان من مسؤولية بلدية المجمعة في ذلك الوقت، وكان ينبغي لها أن تتجاوز هذه النظرة الضيقة في تصميم الشوارع والميادين. ويبقى هذا الطريق في وضعه الحالي لا يتناسب مع قامة الملك فيصل.
اكتسبت المجمعة نقلة نوعية من التطور ولا سيما في ميدان التعليم الجامعي حينما افتتحت فيها كلية المجتمع التابعة لجامعة الملك سعود إلى جانب كلية التربية للبنات، وشرفت بإلقاء محاضرة في كلية المجتمع عنوانها (سدير في الشعر العربي القديم) مساء يوم الاثنين 1-6-1430هـ الموافق 25-9-2009م.
وحققت شهرة واسعة بإنشاء جامعة المجمعة التي امتدت كلياتها إلى سدير والزلفي ورماح، وكانت مقصد الطلاب من جميع أنحاء المملكة للدراسة في كلياتها.
في المجمعة - وكل مدينة صغيرة - تتنفس هواءً نقيّاً غير ملوث، تشعر أنك تشم نسيماً كما خلقه الله، وتتخلص من وعثاء المدن الكبيرة المزدحمة بالسكان، فالطريق مفتوحة، ومواقف السيارات متاحة، وتنجز أعمالك مهما كثرت في يسر، وفي أوقات وجيزة، وتحس أنك تعيش حياة مطمئنة هانئة هادئة بعيدة عن صخب المدن وضوضاء الحركة، وضياع الأوقات الطويلة جداً في الشوارع المكتظة بأرتال السيارات التي تضارع السكان كثرة، وما يسببه ذلك كله من انحراف في صحة الجسد والنفس على المدى القصير أو الطويل. مداخل المجمعة تفتح نفس القادم، ولاسيما القادم من جهة الرياض، فاللمسات الجمالية على المداخل والتشجير والنظافة والنافورات، وسعة الشوارع سكبت على منظرها بهاءً، وتشعر حين تدلف إليها أنك خرجت من قفر الصحراء إلى واحة. ترى الأشجار تزهو بخضرتها اللامعة في حين نرى الأشجار والنخيل في المدن الكبيرة يعلوها غبار أسود شبيه بالسناج نتيجة للتلوث المركز، ونحن نشارك الأشجار في استشناق هذا الهواء الملبد بالهياب الأسود. هل رأيتم البنايات القديمة في المدن الكبيرة كيف حال لونها إلى سواد!!
أبدى لي عدد من الأشخاص إعجابهم بالمجمعة جمالاً وتنسيقاً، من هؤلاء معالي الشيخ الدكتور صالح بن سعود العلي، والأخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري الذي أبدى إعجابه الشديد بالمجمعة تنظيماً وتنسيقاً ونظافة. ويمكن أن تصبح ببذل مزيد من الجهود المتظافرة نموذجاً فريداً لمدينة صغيرة؛ فهي على وضعها الحالي تغري بالسكن، فجميع ما في المدن الكبيرة متوافر فيها من خدمات وأسواق وبنوك وبضائع، وأماكن للتنزه، والرحلات القصيرة، يضاف إلى ذلك ما تمتاز به من جو معتدل، وبخاصة في ليالي أشهر الصيف، تشعر بخطرات النسيم الباردة حين تأوي الشمس، وفيها من الآثار والأماكن التي تغري بالسياحة وتجذب السياح. وللتطور الحضاري إن لم نحسن تدبيره وتسييره تأثير سيء على الموروث القديم؛ فصاحب تطور المجمعة غياب بعض معالمها القديمة، فقصر الملك عبد العزيز الذي كان مقراً للإمارة هدم، على الرغم من أنه كان يمثل نوعاً من العمارة فريداً، وهو معلم سياحي فقدته المجمعة، والمزارع القديمة التي كانت تحيط بها، وتمتد امتداد الأودية هجرت، فتهدمت أسوارها، وذوت نخيلها، وكان في الإمكان أن تبقى حية نضرة، يجدد غرسها وتؤهل تربتها، ويبنى ما يتهدم من أسوارها، وتبرز معلماً زراعيّاً من معالم المجمعة.
مزارع المجمعة ونخيلها الأثرية لا تعوضها تلك المزارع الصغيرة المتناثرة حولها يعلوها الغبار، وتشكو الظمأ والقحط، تأخذ ولا تعطي. والسور الذي كان يحيط بالبلدة تهدم، ولم يبق منه شيء، وكان بالإمكان المحافظة عليه بالترميم والصيانة، ويندرج ضمن هذا القصور الكبيرة التي عُني أصحابها بتشييدها، فذهبت طعمة سائغة للجرافات. مما حزنت له كثيراً أنني حين زرت الفشخاء يوماً فوجئت أن سورها الجنوبي أصبح أثراً بعد عين، هدم بحجة توسيع الطريق، مع أن الطريق واسع تنفذ منه السيارة، وتهدم بهدمه بيوت، فأصبحت الفشخاء تشكو بمبانيها المتهدمة ظلم الإنسان وجوره على معالم الحياة وآثارها. لو كنت شاعراً لأنشأت مرثية عنوانها (رثاء سور). كان سوراً شامخاً متين البنيان يتكون من طبقتين، طبقة قديمة، وطبقة أحدث منها، بنيت تقوية ودعماً لها، بني بعروق الطين، والبناء بها أقوى من البناء باللبن، لم يتغير ولم يتفتت ولم يسقط منه شيء منذ أن أدركته، سمكه يقارب المتر أو يزيد، علوه نحو ستة أمتار، في طرفه الشرقي مقصورة، وأخرى في طرفه الغربي، وفي منتصف السور بوابة كبيرة يلج منها الجمل يسمى (باب البر)، كان مبنياً بالحجارة والطين والجص، وأعلاه مسقوف بخشب الأثل، كنا نتظلل تحته من الشمس، وكان بابه منزوعاً حين رأيته أول مرة. وأحدثت فيه نقبة (فتحة)، ليلج منها ممن هم خارج السور؛ للصلاة في مسجد الفشخاء الوحيد، وهي تقابل السكة التي يقع فيها منزلنا. والمناطق حول المجمعة وحرمة وما بين المجمعة وأشي مناطق آثار قيمة، وهي من الأماكن التي سكنها الإنسان منذ آلاف السنين، وعرفنا من تاريخها منذ المدة المعروفة من العصر الجاهلي بما وصل إلينا من نصوص لغوية وشعرية وأخبار، وهي مدة تقرب من مئتي عام قبل الإسلام، ووسط الجزيرة العربية (إقليم نجد) لم يحظ حتى الآن بمسح شامل دقيق لآثاره التي انطمرت تحت الأرض، ومنها منازل وآبار حفرها الجاهليون ومن أتى بعدهم، والكهوف التي كانت منازل مستطابة في الصيف والشتاء. وفي منطقة وادي المشقر (الوَدَاء قديماً) كهوف واسعة استخدمها الإنسان منذ أن درج في هذه الأمكنة، وهي جديرة بأن تكون موضع دراسات أثرية وتاريخية. وأقترح على جامعة المجمعة الفتية أن تسعى لافتتاح كلية تعنى بالآثار والتاريخ، وتوجه اهتمامها في المقام الأول إلى دراسة آثار منطقة سدير وتاريخها المرتبطة بالآثار وغير المرتبطة بها. وأرى أن مجال الدراسة واسع متشعب، ولمادة الأثرية والتاريخية خصبة؛ فالمكان حفل بنشاط بشري منذ أعصر قديمة، ولا تزال الأرض تحتفظ بآثار مناشط الإنسان، وبعضها نراها عيانا كالكهوف والرجوم ومنارات الطرق، وآثار الديار المتمثلة في أكوام الحجارة التي نراها في أماكن كثيرة، وبعضها تحت الأرض مدفون كالآبار والرسوس القديمة، وأساسات البناء، وأقسامه، والقبور، وأشياء من مخلفات حياة الإنسان في أزمان سحيقة.
اكتشف الأثريون في العصر الحديث بلدة كاملة في إيطاليا، هي بلدة بومبي، غمرتها مقذوفات بركان فيزوف الذائبة عام 79م، وظهرت بعد نزع الحمم البركانية كما كانت يوم غطتها مواد البركان السائلة.
تشهد المجمعة الآن نهضة عمرانية كبيرة، أسهمت في إيجاد أحياء جديدة، ما كنا نتصور في يوم من الأيام أن عمران المجمعة سيصل إليها، وازدانت هذه الأحياء كغيرها بالمؤسسات الحكومية والتجارية والمنازل الجميلة والشوارع الواسعة.
وكانت المجمعة منذ البدء موضع اهتمام قيادتنا الموفقة، وتوجت هذا الاهتمام بتعيين صاحب السمو الأمير النشط عبد الرحمن بن عبد الله بن فيصل آل سعود محافظاً لها، حينما كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أعانه الله - أمير منطقة الرياض، وكان لسمو المحافظ منذ أن تولى منصبه أثر ملحوظ في نهضة المحافظة، واتساع نشاطها الإداري والتجاري والعلمي والثقافي، وأصبحت مدينة متكاملة جاذبة للسكنى، ففيها من السكان من جميع أطياف المملكة.
تقوم بلدية محافظة المجمعة بدور نشط في جميع المهمات الموكلة إليها، وتحرص أن تحظى المحافظة بتوفير الخدمات البلدية المتاحة، وعلى رأسها النظافة. وأرى أن هذه الخدمة - خدمة النظافة - لا يمكن أن تتم على الوجه المطلوب إلا بتعاون السكان ليس في المجمعة فحسب، بل في جميع أنحاء الدنيا، فلا يمكن لأي بلد أن يكون نموذجاً لبلد نظيف ما دام سكانه يرمون مخلفاتهم في الطرقات والشوارع وأمام المحلات والأسواق والتموينات كما نشاهد في كبريات المدن. عندما أقطع الطريق بين الرياض والمجمعة أشاهد عمال النظافة على جانبي الطريق يجمعون المخلفات التي يرميها المسافرون من مركباتهم، وفي محطات وقوفهم، وأرى الزكائب على الطريق ملأى بما جمعوه. أليس لهذا من حَلّ؟ بلى إن الحل موجود وهو يسير لو تخلت وزارة الشؤون البلدية والقروية عن تساهلها وتسامحها في تطبيق النظام الذي نراه صارماً في دول كثيرة. بإمكاننا أن نتخلى عن نصف العاملين في قطاع النظافة لو ألزمنا السكان بالنظام، وحاسبنا من يخل به. لو أتينا بملايين عمال النظافة لن تصبح مدننا نظيفة ما دامت المخلفات ترمى في الشوارع من السيارات وأمام المحلات، وفي أماكن النزه والحدائق والاستراحات، فهل تعي وزارة الشؤون البلدية والقروية ذلك؟! وإذا وعت فهل تسعى إلى تطبيق النظام بجد وصرامة؟!