د.محمد بن عبدالرحمن البشر
صدرت الميزانية وهي تتحلى ببعض الحلل التي من المناسب التنويه عنها، فهي ميزانية إنفاق، وليست ميزانية انكماشية كما كان البعض يتوقع نظراً لظروف أسعار النفط السائدة في العالم، وقد زادت عن سابقتها في العام المنصرم بنسبة 6%، كما أن ما أنفق على سابقتها كان أقل مما خطط له، مما يعني أن هناك نهجا جديدا في المصروفات أسهم في تقليل العجز بنسبة جيدة.
والميزانية لهذا العام تتميز برسوها على رؤية 2030، وكذلك الاستراتيجية المطروحة لعام 2020، أي انها لم تعد ميزانية فحسب بل هي تعتمد على استراتيجية للوصول الى غاية بعينها، كما أنها تتميز بالمرونة أي أن هناك عددا من السيناريوهات أو البرامج التي تتعامل مع ما قد يطرأ خلال العام من متغيرات إيجابية وغير إيجابية، وقد أولت التعليم والصحة والخدمات العامة نصيبا كبيرا من الانفاق لتحقق للمواطن والمقيم القدر الكافي من الخدمات اللازمة، مؤكدة على الدور الهام للقطاع الخاص.
والميزانية أدرجت مع قوائمها المالية نظرتها الى ما قد يفرض من رسوم أو ضرائب تتجاوز هذا العام إلى الأعوام التي تليه، أي أن كل مستثمر يمكنه أن يبني قراره على قاعدة بيانات من حيث الرسوم والضرائب معلومة سلفاً لتكون دراسة الجدوى لديه واضحة المعالم، ولتكون الإدارة وكفاءة الإنتاج وكذلك أسعار المدخلات والمخرجات هي العامل المحدد لمقدار الربح.
والميزانية كانت واضحة في أن القطاع الخاص سوف يلعب دورا كبيرا في المستقبل وأنه سيكون العجلة المحركة للاقتصاد وتقديم الخدمات، وأن الاعتماد على الوظائف الحكومية لم يعد قائماً، وأن المستقبل لن يسمح بالتضخم الوظيفي، والبطالة الحكومية المقنعة، وسوف تكون سواعد الرجال هي مصدر دخل الفرد، وأن ما يحتاجه من خدمات ستكون في معظمها مقابل دفع قيمة لها بينما تقوم الحكومة بحفظ الامن وحماية الحدود، وتنظيم الخدمات العام، وتوجيه الاقتصاد ليحقق الغاية المرجوة التي تصب في صالح الوطن والمواطن، وهذا يعني أن الحكومة سوف تقلل مشاركتها في الإنتاج الذي سوف تتولاه شركات تابعة للقطاع الخاص.
والميزانية أكدت أنها سوف تهيئ البيئة الصالحة لنجاح القطاع الخاص وحل مشاكله، ورفع العوائق التي تقف في طريقه، كما أنها ستعمل على تقليل البطالة من خلال القطاع الخاص وليس الحكومة، ومن المعلوم أن القطاع الخاص يوفر مليوناً وثمانمائة ألف وظيفة، وأن نسبة البطالة نحو اثني عشر بالمئة، وباقي الوظائف حكومية، ولابد للقطاع الخاص أن ينمو بوتيرة أكبر بكثير من القطاع الحكومي، بل من المتوقع أن تنخفض أعداد موظفي الدولة المتضخمة أصلاً لتنضم الى القطاع الخاص لنراه في عام 2020، بشكل نسبة عالية جداً من توظيف القوى العاملة مع التركيز على الايدي الوطنية، وذلك طبقا لما تم طرحه في الميزانية من قواعد ترفع من تكلفة استجلاب غير المواطن وفسح المجال للمواطن ليلعب الدور الأكبر والاسمى في نمو بلاده.
والميزانية حملت تسديد جميع المستحقات الخاصة بالمقاولين والموردين الذين انتهت مراجعة أوراقهم ووصلت الى وزارة المالية، وقد تعهد وزيرها بأن الدفع سيتم في غضون شهرين، وهذا يعني إعادة عجلة الاقتصاد والانفاق، وكذلك الثقة لدى المقاول ليسير قدماً في المشاركة في بناء بلده وتحقيق ربح مجز في بيئة تنافسية مناسبة.
والميزانية أكدت أنها سوف تصل الى نقطة التوازن بحيث لا يكون هناك عجز فيها خلال سنتين، كما أنها قد اعتمدت على جلب مبالغ من القطاع الخاص تصل الى مائتي مليار ريال، وهذا رقم كان بعيد المنال، كما أن كفاءة الإدارة سوف تجعل التوازن في الميزانية في حدود 67.5 في المائة طبقا لما ذكرته شركة الراجحي المالية، بدلاً من 77 دولاراً، وهذا مؤشر حقيقي لكفاءة الإدارة المالية للدولة.
إن الميزانية قد صدرت بشكل ولون مختلف، في طليعته تقليل الهدر، وتوجيه الموارد الى وجهتها الإيجابية، ودفع الإعانات للمحتاجين وقليلي الدخل، وهذا توزيع اجتماعي مهم، ليكون للمحتاجين النصيب الأكبر من المساعدات، وهذا ما تصبو إليه الدولة وتسعى إلى تحقيقه، حفظ الله هذه البلاد، وأسبغ عليها نعمه، وكفاها شر المتربصين.