زكية إبراهيم الحجي
في كل عام يحظى التعليم في وطننا بميزانية هي الأضخم والأعلى على مستوى جميع الدوائر الحكومية.. وذلك إيماناً من القيادة الحكيمة بأن جوهر الصراع العالمي في جميع مجالات التنمية هو في حقيقة الأمر سباق في تطوير التعليم كونه محور حفاظ على ثقافات موروثة وبوابة واسعة لآفاق التقدم والرقي.. وأن التحدي الأكبر والرهان الرابح لبلوغ التنمية بكل مناحيها يكمن في تطبيق خطط إستراتيجية مُثلى للنظام التعليمي بما يواكب العصر ويواجه التحديات المستقبلية.
وتزامناً مع صدور ميزانية هذا العام ومصادفة أيضاً لفتت انتباهي رسالة في مواقع التواصل الاجتماعي موجهة من صبي يافع إلى وزير التعليم.. نص الرسالة طموحات وأماني يافع والتي هي بمنزلة طموحات وآمال كل من هم في سنه.. ونص الرسالة حرفياً (إلى وزير التعليم الموقر.. إنني أناشدك أن تحذف مادة الفنية وأن تستبدلها بمادة الصناعة والتقدم.. أنا طالب في الثاني متوسط نقضي حصص الفنية في غزل الصوف وأقراننا في البلاد المتقدمة يصنعون الألواح الشمسية.. نريد علماً.. نريد أن نرتقي ونصنع طاقة شمسية وطاقة من الرياح.. نريد أن نصنع أجهزة إلكترونية.. نريد علماً ننتفع به.. لا نريد غزل الصوف فإن جدتي محترفة في غزل الصوف».. وفي نهاية الرسالة كتب «كتبت بالفصحى بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية..19-3-1438).. انتهى نص الرسالة.
صبي يافع متقد الذكاء وجه رسالة إلى وزير التعليم وبأسلوب ضمني بسيط.. فعندما يشير في رسالته إلى غزل الصوف فليس المقصود بذلك ممارسة غزل الصوف في حصص الفنية، إنما كان القصد.. لقد تخطينا عصر غزل الصوف وصناعة النسيج باليد، وأن كل الصناعات التقليدية والتراثية لها صناع مهرة توارثوها عن سالف الأجداد وباتت تُنقل من جيل إلى جيل تخليداً لها ولتبقى راسخة في الذاكرة.. ولعل ما نراه من معارض للصناعات التقليدية والموروثات القديمة تقام بين الفينة والأخرى خير شاهد على ذلك بأسلوب تعبيري بسيط، وبحسب فهمه المتواضع استطاع هذا الصبي اليافع أن يشرح بإيجاز النظرة الحديثة للعملية التعليمية وكأنه يقول: لقد تطور مفهوم العملية التعليمية بفعل التقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع.. وأصبح خبرة تنشأ عن خبرة وتؤدي إلى زيادة خبرة، ولم تعد العملية التعليمية ذلك المفهوم التقليدي بمنظوره الضيق القائم على التلقين ونقل المعلومات ثم استرجاع كل ما نقله المعلم لذهن الطالب. وتعاطفاً مع هذا الصبي وأقرانه ممن ترقى طموحاتهم إلى حد التفكير بصناعة الألواح الشمسية وغيرها كما ورد في الرسالة.. ومن خلال هذه السطور أوجه رسالتي إلى وزير التعليم: معالي وزير التعليم.. لقد أصبح الانخراط في الثقافة الرقمية فهماً وتحليلاً ودراسة ضرورة حتمية يتطلبها واقع علاقة الفرد بالتقنية الحديثة، ولأن العصر الذي نعيشه يوسم بعصر المعرفة لذا كان ارتباط التكنولوجيا بالعلم ارتباطاً قوياً مما جعل ذلك يستدعي ضرورة تحديث نظم التعليم المدرسي كي نستطيع بتر ولو البعض من مشكلات التعليم التي تعاني منها العملية التعليمية منذ زمن، وهذا لا يتم إلا بتفعيل الوسائل التكنولوجية الحديثة في المدارس وتقديم فرص تعليمية معززة بالتقنية الحديثة لدعم حاجة الطالب من المعرفة ولإذكاء روح المنافسة لدى الطلاب من أجل اكتشاف مواهبهم وتفعيل أنشطتهم.. هذا غيض من فيض.. فهل تصل الرسالة؟