أ.د.عثمان بن صالح العامر
أظهرت أرقام الهيئة العامة للإحصاء التي صدرت هذا الأسبوع، أنّ عدد سكان الرياض تجاوز حاجز 8 ملايين «الثمانية الملايين»، وعلى وجه الدقة «8.002.100 منهم 4.579.570 - أي ما يقارب حوالي 57% منهم فقط - سعوديون، والبقية أجانب !! والرياض بهذا الرقم يفوق عدد سكانها سكان ثلاث دول خليجية «الكويت والبحرين وقطر»، وهو - حسب هذا المعطى في ظل الوضع الاقتصادي الذي تمر به المملكة - يمثل عبئاً تنمويّاً لا يخفى على أهل الاختصاص وراسمي الاستراتيجيات، وليس جديداً، بل حاولت خطط التنمية السابقة معالجته، ولكن عجزت للأسف عن تحقيق تقدم يقنع المواطن الذي استقر به المقام في العاصمة، بالهجرة العكسية لمناطق الأطراف «المدن الرئيسة»، فضلاً عن المحافظات والمدن الصغيرة والقرى والهجر.
وحتى لا أذهب بعيداً أو أكون تنظيرياً فحسب، أستشهد بالوضع الذي أعرفه في جامعة كانت تنعت فيما مضى بأنها «ناشئة»، لم تستطع مع أنه مضى على استقلاليتها بعد التأسيس أكثر من عشر سنوات، أقول إنها لم تستطع جذب الأكاديميين إليها المنتسبين لإحدى جامعات العاصمة الرياض أو جدة أو المنطقة الشرقية أو غيرها من المدن التي نالت حظاً أفضل من مشاريع التنمية في الخطط الخمسية السابقة.
لقد بذلت إدارة الجامعة جهوداً مضنية أعرفها عن قرب لاستقطاب أبناء المنطقة، العاملين في القطاع الأكاديمي « الإنساني والتطبيقي خاصة الصحي»، ولم تفلح هذه الجهود؛ لأنّ فرص الحياة المُثلى تعليمياً وصحياً وثقافياً واجتماعياً وفرص وظيفية مستقبلية للأبناء والبنات و... - في نظر طبقات النخب سواء الاجتماعية أو الثقافية أو... بل حتى العامة - هي في العاصمة الرياض، وليست في مثل هذه المناطق - على حد تعبيرهم - بل رغم الضغوط التي يُتحدث عنها من ازدحام الطرقات وتباعد المسافات وكثرة المنغصات، فإنه من الصعوبة بمكان تركها والنزوح عنها من خلال الهجرة العكسية التي تُعَد اليوم مطلباً استراتيجياً لدى المخطط السعودي على ضوء رؤية 2030، أكثر من هذا هناك من حضر لهذه الجامعة وما ماثلها بعقود استشارية مغرية جداً، ومع ذلك لم يصطحب عائلته معه، بل صار يسافر أسبوعياً للرياض!!! وكل من له علاقة - ولو من بعيد -بالرياض، وتعين معيداً في جامعة ناشئة، يتحين الفرص ويطرق جميع الأبواب ويسلك كل السبل للانتقال إلى إحدى جامعات العاصمة.
وفي أيام المهنة كان خريجو الجامعات العالمية يصطفون طوابير على جامعات المدن الثلاث، وكلما قلّ حظّ التنمية في منطقة قلّ راغبو العمل بها والعيش فيها، إلا من هو من أهلها وما زال يقطن فيها.
الحال أشد داخل المناطق، إذ إنّ هجر وقرى خلت تماماً من السكان، وأخرى نسبة العمالة فيها أكثر من السعوديين و...،
نعم إنّ حكاية التوزيع الديمغرافي في المملكة حكاية مؤلمة جاءت نتيجة لأسباب عدة وليست هي بذاتها سبباً، وليس لها شبيه سوى ما حدث في مصر على وجه الخصوص، وعلى سبيل المثال أخذت يوماً من الأيام ورقة وقلمًا وسجلت في منطقة واحدة 123 قرية وهجرة يقل سكانها عن 15 نسمة، حسب آخر إحصائية صدرت قبل ما يقارب خمسة أعوام!!! والمنتظر والذي يتطلع له الوطنيون الصادقون في استشراف مستقبل واعد لجيل الغد، أن يعكف المخططون في ضوء رؤية 2030 على حلّ هذه الإشكالية المتجذرة، حتى تصبح بلادنا كلها «الرياض». حفظ الله قادتنا، وأدام أمننا، ونصر جندنا، ويسّر أمرنا، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.