اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
ونتيجة لابتعاد الأمة عن دينها وتجاهل عروبتها والتخلي عن قوميتها، تحولت إلى صورة ممسوخة لا وزن لها ولا تأثير فيما يجري على الساحة من أحداث، وإن زعمت أن لها جامعة تحمل اسمها، حيث مضى على تأسيس هذه الجامعة ما يقارب قرن من الزمن دون أن تنجح في تحقيق أي شكل من أشكال العمل العربي المشترك حتى مجرد اللغة المشتركة بين أعضائها، ويعود سبب ذلك إلى وجود خلل في أنظمة الجامعة ذاتها، وصيغة التعاون المنصوص عليه في ميثاقها، علاوة على أن العلاقات البينية المثقلة بقضايا خلافية ألقت بظلالها على مجالات التعاون فقيَّدتها بقيود نُسج بعض خيوطها في الخارج، الأمر الذي ترتب عليه خلق مناخ من عدم الثقة في فاعلية وجدوى العمل العربي المشترك نتيجة للإخفاق في تحديد الأهداف ذات الطابع القومي وتصادم هذه الأهداف مع أهداف التعاون الوظيفي والاهتمامات القطرية، إضافة إلى الفجوة الواسعة من التناقضات بين النظم الرسمية الحاكمة والقاعدة الشعبية، ناهيك عن عدم الاتفاق على من هو العدو ومن هو الصديق والإذعان للضغوط الخارجية والانشغال بالهموم القطرية المفتعلة على حساب الانتماء القومي والمصلحة القومية.
وعلى ضوء الإخفاقات المتراكمة والتجارب المتقادمة ومن واقع الأحداث الأخيرة في سوريا وخصوصًا في حلب سقطت الجامعة العربية سقوطًا مدويًا، ولم يعد أحد يأمل منها أن تنهض بما هو مطلوب منها النهوض به بما في ذلك القيام بالحد الأدنى من واجباتها ومسؤولياتها، والوفاء باليسير من التزاماتها، كما يشهد على ذلك فشلها الذريع وعجزها المتكرر تجاه الاقتتال الداخلي والتدخل الخارجي في بعض الدول الأعضاء في الجامعة ووقوف الأعضاء الآخرين حيال ما يجري موقف المتفرج العاجز عن عمل أي شيء باستثناء الإحالة إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي.
وتقصير الجامعة العربية تقادم عليه الزمن وعجز النظم العربية عن إيجاد استراتيجية واضحة للتعاون المشترك لم يكن جديدًا، ولكن الجديد هو المستوى المتدني الذي وصلت إليه القومية العربية في بعض أقطار الوطن العربي إلى الحد الذي أتاح للنظام الإيراني أن يجند أذرعًا له، تقاتل بالنيابة عنه في عدد من الدول العربية، متجاهلة هويتها الوطنية وقوميتها العربية.
وفي ظل هذا الوضع المتردي ماذا يمكن أن يقال عن قومية ووطنية مَنْ يأتمر بأوامر صادرة من دول أجنبية ذات مشروعات طائفية واستعمارية، ويُقاد من عملاء عرب وأقوام غير عربية ليقاتل إخوته في العقيدة واللغة والدم والوطن، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وليبيا، حقًا أن هؤلاء بهذا الصنيع المشين والفعل المهين أصبحوا خارج إطار المعادلة الانتمائية وسقطوا في درك العمالة والخيانة، وما ينطبق على التنظيمات الإرهابية ينطبق على الميليشيات الطائفية.
وتحدث هذه الممارسات الفئوية الضالة والتصرفات الطائفية المضلة في الوقت الذي تُمثل فيه الشعوب الملاذ الأخير من ملاذات الانتماء القومي العربي الذي تمزق شر ممزق، وتمزق معه الأمن القومي العربي بسبب تفريط بعض النظم العربية الحاكمة وتخاذلها عن أداء الدور المطلوب منها لتوحيد الصف ولم الشمل، وما نجم عن ذلك من جلب الإرهاب إلى المنطقة بغية إيجاد الذريعة والمبرر لتدخل قوى الشر في شؤون دولها، وجعل المكون السني العربي بين مطرقة الإرهاب وسندان مكافحته، وبالتالي الإمعان في قتله وتهجيره واستباحة عرضه وأرضه تمهيدًا لتنفيذ مخطط صهيوني صفوي يهدف إلى تغيير ديموغرافي على حساب هذا المكون المغلوب على أمره.
وعودًا على بدء فإن الأمة العربية مطلوب منها أن تراجع كشف حساباتها، وتعمل على تنمية عوامل الرابطة القومية وفي مقدمتها الدين واللغة والتقاليد الحميدة والتماسك الاجتماعي والتمازج الثقافي للتخلص من الحواجز النفسية والمعنوية والمادية المضروبة حول شعوبها، إمعانًا في التشكيك في الذات والهوية بهدف تدمير البناء القومي والتجانس الروحي، والسبيل إلى تحقيق المطلوب والتغلب على الحاجز المضروب هو الانصهار في بوتقة الانتماءات الدينية والقومية والوطنية مع الارتفاع فوق الخلافات المذهبية والخصومات والمشاحنات الطائفية التي يغذيها الأعداء لامتطائها نحو تدمير نسيج الأمة والإيقاع بين مكوناتها.
وحتى تعود الحياة إلى الانتماء القومي العربي ليصبح في مكنة الأمة العربية مواجهة التهديدات القائمة، وتلك القادمة، يتعين على هذه الأمة بطرفيها الرسمي والشعبي إدراك المخاطر التي تتربص بها سواء على المستوى القومي أو الوطني، إِذ إن هذه المخاطر لا تهدد دولة عربية بمفردها أو دولاً بعينها فحسب، بل تهدد الدول العربية جميعًا وتهدد الأمن القومي للأمة بأكملها من الخليج إلى المحيط، والعجز أمام الحالة الأولى سرعان ما ينعكس على الحالة الثانية بشكل يعمِّق ضعف الدول العربية مجتمعة وفرادى، ويزيد من هامشيتها داخل محيطا الإقليمي والدولي، محولاً إياها إلى دول فاشلة أو شبه فاشلة أو مقسمة.
وخداع النفس والهروب من الواقع لم يعد هذا وقتهما، إِذ لم يكن هناك فسحة من الزمن تسمح بالسير بمعزل عن تطورات الأحداث وتداعياتها التي تتطلب من الدول العربية تعزيز انتمائها القومي وإحياء معاهدة دفاعها المشترك حتى لو على هيئة تكتلات داخل إطار الجامعة تكفل لها الدفاع عن شعوبها وأوطانها في زمن بات يتعذر فيه على أية دولة بمفردها أن تقف في وجه المخاطر التي تعصف بالمنطقة وتستهدف دولها دولة بعد أخرى.