د. محمد بن عبد الله المشوح
رحل عنا مساء يوم الاثنين الماضي المؤرخ والمربي الكبير عبدالرحمن بن سليمان الرويشد «رحمه الله»، وهو من أسرة علمية عريقة.
عاش محباً للتاريخ منافحاً عن أدواته متحمساً لإيقاعه في زمن صار البعض يبوح بالتأفف من العناية بالتاريخ متسائلاً عن جدواه!!
أما الرويشد المؤرخ فقد صارع من أجل حفظ التاريخ وبقائه واستمراره كتابة وتدوينا ونشرا وتوزيعاً.
لقد عاش « أبو إبراهيم» رحمه الله ونشأ وترعرع بين عيني نشأة التاريخ السعودي الدرعية والرياض يعرف تفاصيلهما ويقرأ ما بين جدرانها فصار بذلك مفسراً لكل غامض مبيناً عن كل ملتبس في تاريخ الرياض القديمة.
لقد تعرفت على الفقيد الراحل منذ أكثر من سبعة عشر عاماً وكنت أتردد عليه في مكتبه بدار الشبل التي أنشأها وأسسها عام 1403 هـ لتكون ذراعاً تربوياً يعنى بأدب الطفل الذي كان يشعر بفراغ نحو ثقافته وتربيته فكانت هذه الفكرة الرائعة والتي شجعها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله.
وكنت اراجعه في بعض البحوث العلمية والمسائل التاريخية فكان عنده الخبر اليقين وهو ما سآتي عليه لاحقاً في هذه المقالة عبر الجوانب التالية:-
أولاً:- عندما أسس رحمه الله دار الشبل للنشر والتوزيع سنة 1403هـ تقريباً التقط همة التربوي عبر مجلة الشبل وعمقه التاريخي عبر نشره للعديد من الكتب والدراسات له ولغيره من الباحثين والمؤرخين.
وكان يتنقل خلال مراحل عمره في هذا العشق الإعلامي والتربوي منذ تخرجه من دار التوحيد ثم الكليتين ثم مراحل عمله وتنقلاته في المعاهد والكليات ثم وزارة الداخلية حتى تقاعده.
والجانب الإعلامي كان حاضراً بكل تفاصيله حيث رأس لفترة مجلة الدعوة في أوج مراحلها وكان لها أثره الباقي في ذلك إلى اليوم.
كما أن «لأبي إيراهيم» عناية خاصة بكل ما ينشر عن تاريخ المملكة بالأخص وكان له رأيه الصريح في كل ذلك تعقب الكثير منها وكان يصدح برأيه تجاه المستشرقين والدارسين وخصوصاً في قصة فتح الرياض وسقوط الدولة السعودية الثانية وتفاصيلها.
كنت أمازحه أحياناً واقول له لماذا يا أبا إبراهيم لا تكثر من النشر للكتب التاريخية وقال إنه لا يحب أن ينغمس في ذلك كثيراً!.
بل بلغ من حبه وعشقه لفكرته أن اعتذر عن أمانة دارة الملك عبدالعزيز عندما عرضت عليه.
وهو بذلك فاحص مدرك لمّاح يدرك حقيقة سوق النشر ومآلته فكان تخصصه المشهود في التاريخ السعودي هو أحد سمات شخصيته الناجحة فملأ فراغاً كبيراً في ذلك لا يسده أحد بعده.
ولما افتتحت دار الثلوثية قبل ما يقارب تسع سنوات طلبت منه التعاون بحكم خبرته ودرايته وعنايته وقربنا الشديد من هوايته وعشقه الذي عاش معه طوال سنين عمره وهو التاريخ السعودي فرحب كثيراً وشجع وبدأنا بالفعل.
وكان مما أغراني به كتاب منير العجلاني تاريخ البلاد العربية السعودية بأطوارها الثلاث وكان هو الموزع الحصري لهذ الكتاب.
وأبدى إعجابه به وقال إنه من أوفى من كتب عن تاريخ الدولة السعودية ونشأتها.
تطورت العلاقة بأبي إبراهيم حتى صرنا نشتري أعداداً كبرى من كتبه وإصداراته وحصرياته ومنها على سبيل المثال.
1- الستون رجلاً خلدوا الذكر.
2- قصر الحكم في الرياض أصالة الماضي وروعة الحاضر.
3- محمد بن عبدالعزيز أمير الأمراء وسليل الملوك.
4- عبدالله السليمان الحمدان
5- الجداول الأسرية لسلالات العائلة المالكة السعودية.
6- تاريخ الراية السعودية.
أما كتاب ملوك آل سعود للأمير سعود بن هذلول فكان كذلك هو الذي يسوقه وقد اشتريت منه كمية كبرى من هذا الكتاب طوال السنوات الماضية، وكان كذلك يبدي إعجابه بهذا التاريخ.
إلا أن له قصة أخرى سوف آتي لاحقاً عن هذا الكتاب مع شيخنا العلامة محمد بن ناصر العبودي.
لقد توطدت العلاقة مع أبي إبراهيم خصوصاً في إصدارته وكنت أسعى دائماً للحضور إليه إلا أنه كان كذلك يتصل أحياناً وكان من آخر ما هاتفني به رحمه الله قبل ما يقارب عام أو أقل، قال إن لديه نسخاً أخيرة من كتاب ملوك آل سعود إذا كنت أرغب في شرائها؟ وهي حوالي مائة نسخة فوافقت وكنت لا أتردد في قبول أي عرض منه لمحبتي له الشخصية رحمه الله وتقديري له واتصاله كذلك الذي لا يليق بمثله أن يرد في طلب واشتريتها ونفدت من الدار والحمد لله.
وكانت كتبه رحمه الله التي أشرت إليها آنفاً من الكتب المطلوبة لدى القارئ التاريخي وصارت بفضل الله دار الثلوثية أهم وأكبر منفذ لكتب الشيخ عبدالرحمن الرويشد وابن عمه سعد الرويشد رحمه الله وإصداراتهم المتميزة.
لقد طلبت منه مراراً في كل اتصال أو لقاء أن نقوم بالاحتفاء وتكريمه في الثلوثية إلا أنه كان يعتذر ويتمنع ليس مني فقط بل من كل احتفاء أو دعوة أو تكريم إلا من ملك التاريخ وعاشقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي كرم الشيخ عبدالرحمن الرويشد مرات عديدة آخرها بصفته أحدالرواد الذين خدموا تاريخ الجزيرة العربية وكفى بذلك تكريماً وتشريفاً.
ثانياً:- أما الشيخ عبدالرحمن الرويشد المؤرخ المحقق فكان لا يتردد حسبما يتاح له في مناقشة الآراء المطروحة فكان يتصدى لذلك برأيه الجريء الجاد الصارم الحاد منافحاً عن فكرته ورأيه بكل وضوح.
كما كان وفياً لأقرانه وزملائه الذين رحلوا فكلٌ يكتب بكل صدق ووفاء وتأبين خصوصاً بعض الشخصيات المغمورة التي لولا الله ثم جهود أبي إبراهيم لاندثرت، ومن ذلك مقالته وتأبينه لصديق عمله الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن نميان من جيل الجهاد والإخلاص.
فكانا مقالاً يتدفق صدقاً ومحبة وغزارة في المعلومة.
ورأيه الصارم في اسم الأمير عبدالمحسن بن إبراهيم بن مشاري آل سعود ومناقشته عن ذلك مع الدكتور عبدالله المنيف.
أما كتابه الشهير الجداول الأسرية لسلالات العائلة المالكة السعودية والذي كشف في إحدى لقاءاته عن سببه حيث يقول «عندما تقدم مؤرخ أمريكي يدعى (جون أرميتاج) إلى وزير الإعلام الأسبق معالي الشيخ علي الشاعر، مبدياً رغبته في إنجاز شجرة عائلة يضمنها أسرة أفراد العائلة المالكة السعودية؛ لكن المسؤولين رأوا أنه لا حاجة في أن يقوم بهذا العمل مؤرخ أجنبي مادام أن ذلك في استطاعة مؤرخ وطني، فكان أن تم اختياري للقيام بهذا العمل وصدر أمر ملكي بذلك، على أن يكون العمل على مستويين، أحدهما تحديث المشجرة السابقة، فقمت بالتحديث للعمل السابق، الذي كان قد توقف بموت صاحبه الشيخ محمد التميمي، الذي كان موظفاً قديماً، في وزارة المعارف (التربية والتعليم) وباحثاً معروفاً.
أما المستوى الثاني، فكان من تصميمي وإخراجي، ويشتمل على مشجرة بأحجام مختلفة، وعلى كتاب توضيحيٍ باللغتين العربية والإنجليزية، وهو على شكل خريطة عائلية وجداول واضحة للسلالات من القاعدة إلى أعلى فرع في العائلة، يمكن أن يبنى عليها تحديثات الأجيال القادمة، وكانت آخر طبعة لهذا العمل هي عام 1425هـ (2004م) وستكون الطبعة الثالثة في القريب العاجل إن شاء الله.
وهو بذلك قد أكمل أحد أبرز أعماله التاريخية الخالدة.
وإذا كان الشيخ عبدالرحمن الرويشد كما يعلم الجميع يحفظ فروع آل سعود وسلالاتهم تفصيلاً قل نظيره فإنه لا يقل عن ذلك معرفته بأسرة آل الشيخ الكبرى ونجد من أسرها بالرياض بل وعلاقاته الواسعة في ذلك.
ومنه أنني زرته قبل حوالي خمس سنوات وطلبت منه معلومات عن الشيخ عبدالملك بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ رحمه الله فرحب ووافق فقمت بتسجيل لقاء خاص عن الشيخ عبداللطيف وإخوانه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وأخيهم الأكبر والشيخ عبدالله بن إبراهيم والشيخ عبداللطيف وأفادني بمعلومات هامة رائعة نفيسة سوف أنشرها قريباً إن شاء الله.
ومن ردوده ومناقشاته الهامة وآرائه الجريئة أنه كان معجباً بطرح وتناول محمد جلال كشك في كتابه « السعوديون والحل الإسلامي» بل إنه قام بمراجعته بأمر من الملك فهد رحمه الله.
وكما يقول في أحد حواراته أنه أي كشك كان منصفاً للملك عبدالعزيز.
في حين كان يرى أن كتاب المملكة من الداخل لروبرت ليسي حالة ابتزاز فقط.
رابعاً:- سوف أتحدث هنا عن علاقة الراحل الشيخ عبدالرحمن الرويشد رحمه الله بشيخنا العلامة محمد العبودي حفظه الله.
بدأت العلاقة بينهما مبكرة سنة 1377هـ تقريباً حيث كان الشيخ عبدالرحمن الرويشد مفتشاً، فيما كان يعرف بالكليات والمعاهد، وشيخنا محمد العبودي مديراً للمعهد العلمي وحصل آنذاك خلاف إداري بينهما حيث كان هناك بعض المبالغ التي تسمى حسميات على الطلاب والمدرسين فكان أن وصلت إلى حدود مبلغ ستة وعشرين ألف ريال وكان الشيخ محمد العبودي قد اتصل بالشيخ عبداللطيف بن إبراهيم المرجع الإداري والمالي آنذاك وأخبره أنه سوف تصرف هذه المبالغ على الأنشطة الطلابية للمعهد وحاجاته ومنها بالأخص ما سمي بالنادي الادبي، وهو نشاط مسائي ثقافي قام به العلامة العبودي للطلاب مع مكافآت للمتميزين.
فما كان من الشيخ عبدالرحمن الرويشد رحمه الله إلا ضمن تقريره تلك المبالغ التي حسمت ولم يتم إرجاعها للمعاهد والكليات.
أما العبودي فأخبرهم أنه قد أشعر سابقاً الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم بذلك واخذ إذنا بصرفها الدقيق حسبما تمت المفاهمة عليه.
وانتهى ذلك الخلاف بخطاب من الشيخ عبداللطيف رحمه الله بالموافقة على صرف تلك المبالغ على الأنشطة الطلابية كما طلب ذلك مدير المعهد العلمي محمد العبودي.
وإذا كان الخلاف الإداري أو على الأصح بين المؤرخين الكبيرين كما هو في الجوانب العلمية فقد امتد كذلك إلى خلاف واختلاف علمي. وذلك عند كتاب «ملوك آل سعود للأمير سعود بن هذلول أمير منطقة القصيم رحمه الله، الذي فكر في السبعينات الهجرية في تدوين كتاب يتضمن رصدا لتاريخ آل سعود بحكم معرفته التاريخية الدقيقة وأنه أحد أبناء هذه الاسرة ويعلم ما يعلمه غيره عنها.
وبالفعل كتب الكتاب ثم أعطاه لصديقه الشيخ محمد العبودي الذي يعمل آنذاك مديراً للمعهد العلمي في بريدة فراجعه مراجعة علمية ولغوية وأعاد صياغته بقلمه مرة أخرى.
ثم أشرف على طبعه وكتب مقدمة حافلة للكتاب في أول طبعة سنة 1380هـ من مطابع الرياض وبعد ذلك جرت تعديلات على الكتاب أدت إلى صدور طبعة اخرى قام بإعادة طباعتها مرات عديدة الشيخ الراحل عبدالرحمن الرويشد. وقام بحذف مقدمة الشيخ محمد العبودي وهو ما أحدث خلافاً جديداً بينهما.
برر الراحل الشيخ عبدالرحمن الرويشد ذلك بأنه طبعة جديدة وهي معدلة عن السابقة وليس هناك ضرورة لبقاء مقدمة العبودي إلا أن الشيخ محمد العبودي بدا متمسكاً برأيه وحقه ببقاء المقدمة لأن له إسهاماً في الكتاب وقد راجعه منذ ان كان مسودة من صديقه الأمير سعود بن هذلول رحمه الله.
ورغم هذه الاختلافات العابرة بين المؤرخين الكبيرين إلا أن علاقاتهما ظلت جيدة ومحمودة وكان الشيخ عبدالرحمن الرويشد يعلم علاقتي الوطيدة بالشيخ محمد العبودي فكان كثير السؤال عنه وطلب عدة مرات أن أهيئ له وقتاً لزيارة الشيخ محمد العبودي إلا أن الشيخ آنذاك كان مشغولاً بعمله في الرابطة، وعندما أخبرت شيخنا بوفاة الراحل عبدالرحمن الرويشد رحمه الله تأثر ودعا له كثيراً.
لقد جمعتهما رحلات عديدة كان أهمها وأطولها واشهرها رحلتهما إلى دول شرق أوروبا سنة 1405هـ وكان الشيخ عبدالرحمن الرويشد مندوباً لمجلس الأمن الوطني الذي يعمل به آنذاك. فكان الشيخ العبودي يدون كل شيء عن تلك الرحلة حيث يقول عنها «كانت رحلتنا إلى ما « خلف الستار العقيدي « مؤلفة من وفد ضم عدة أشخاص هم:
محمد بن ناصر العبودي الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي (كاتب هذه السطور) رئيساً للوفد، الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد عضوا، الشيخ عبدالرحمن بن راشد بن عوين عضواً، الاستاذ محمد شاه عضواً، الاستاذ إبراهيم بن عبدالله الخزيم عضوا، الاستاذ رحمة الله بن عناية الله سكرتيراً للوفد.
وقد حملنا معنا مبلغاً من المال بالدولارات مساعدة للمساجد التي تحتاج إلى مساعدة عاجلة في تلك المنطقة إذا سمحت حكوماتها بذلك.
وإنني أرجو أن أذكر القارئ الكريم في مبدأ هذا الكتاب بما حاولت أن اذكره به في كثير من كتبي في الرحلات وهو أن كتاب مشاهدات وملاحظات، ليس بكتاب دراسة عميقة أو بحث مجمعي موثق بالإحصاءات والتفصيلات، فذلك له أماكن أخرى من كتب أخرى.
كما أن هذا الكتاب لا يضم إلا الحديث عن الرحلة في ثلاثة بلدان شيوعية هي : المجر، ورومانيا، وبلغاريا. أما يوغوسلافيا فإن لها كتاباً خاصاً اسمه «ذكريات من يوغوسلافيا» وأما الاتحاد السوفيتي وبولندا فإن السفر إليهما لم يحن بعد.
وأما أشد الدول تمسكاً بالشيوعية وجمودا عليها وهي ألبانيا فإننا لم نستطيع دخولها رغم محاولاتنا الكثيرة لذلك ، لأن حكومتها تخشى أن تعدي الحرية التي يتمتع بها زوار البلاد بعض المواطنين، فيفطنوا إلى أنهم كانوا ولا يزالون في بلادهم مستعبدين لأولئك الشيوعيين الجامدين المعاندين» انتهى.
كنت في إحدى زياراتي للراحل رحمه الله طلبت منه أن يتوسع في مقالته الشهيرة التي كتبها عن أحد رجالات الملك عبدالعزيز محمد بن شلهوب المعروف بـ «شلهوب» وأنه شخصية متميزة يستحق التوسع والإشادة.
وبرر الاكتفاء بأسباب عديدة ليس هذا مكان بسطها لكن أوفى هذا العلم حقه في تلك المقالة وكذلك فعل مع عبدالرحمن الطبيشي رحمه الله وغيرهم من رجالات المؤسس وأعلام الوطن.
أما تجربته الإعلامية فهو يرد بأنه تأسس في هذا الجانب على يد العلامة حمد الجاسر رحمه الله ويقول إنه مر بتجربتين مهمتين لاكتشاف موهبتي ورغبتي. الأولى وأنا في السادسة والعشرين من عمري عندما ذهب أهل الرياض لمبايعة الملك سعود عام 1373هـ فطلبوا مني إلقاء كلمة المبايعة نيابة عنهم والعجيب أن كل الذين حضروا تلك المبايعة انتقلوا إلى رحمة الله.
والثانية عندما افتتح الملك سعود المعاهد في عهد والده المؤسس (رحمهما الله) فكتبت خطبة المناسبة وألقيتها أمام جلالته بعد أن أجرى الشيخ حمد الجاسر بعض التعديلات عليها في الوقت الذي لم يكن بإمكان زملائي أن يفعلوا ذلك وأتذكر أنني قلت لسموه: صاحب السمو الملكي بكسر اللام والكاف فانتقدني زملائي على ذلك وهم لا يعرفون أن الاسم ينسب فسألنا الشيخ محمد الشنقيطي أستاذنا في المعهد فأيد كلامي من باب إضافة ياء النسبة إلى الكلمة، لكنه أوضح أنها لا تجوز في هذه الحالة فقط. وكان الشيخ عبد الله بلخير (رحمه الله) هو الذي يقدمنا للملك بحكم أنه مدير للنشر والمطبوعات.
أما عبدالرحمن الرويشد الشاعر والأديب فهو كذلك غير مكثر فيه لكنه لا يترك واجباً أو فرصة للشعر إلا ويبرز فيه راثيا وذاكرا لفقيد أو عزيز.
وعند إصداره للطبعة الجديدة من الجداول الأسرية كتب قصيدة جميلة صدرها بقوله:
ليك مليكي (لوحة) من تفنن
منورة الأغصان عن نسل مقرن
ومن ينت مي (للمقرني) فإنه
لعدنان فرع في الحديث المدون
وما قيمة الأنساب إلا لكونها
تُعرف بالأرحام في كل موطن
ومن يصل الأرحام يحظى بجنة
أعدت لأهل الفضل فجر المحاسن
****
بذلت بها جهد المقل وإنني
فخور بتقديمي لفن معنون
تبارى به النساب في كل أمة وفي
كل عصر من عصور المدائن
****
فيا خادم البيت العتيق وحُرمِه
ومسجد طه خيرة الدور موطني
تقبل وروداً نُسقت في تماثُلِ
تحاكي نجوماً في السماء المحصن
يُقدمها من كان للود حافظاً
يغرد في أشجار خضر الجنائن
لسلمان مولاي المليك أسوقها
مزخرفة يزهو بها كلُ قاطن
تضم سيوفاً لامعاتٍ وأنجماً
تشع بأنوار الإله المهيمن
وتعرب عن أصل أصيل مهذبٍه
في ذُرى الأمجاد خير المكامن
وآل سعود المقرنيين حسبُهم
رسالتهم تترى إلى كُل مؤمن
وبالحزم سادوا غيرهم من معاشر
وبالصفح أحياناً أتوا بالمغانم
فيا قمة الحزم المرجى لأهله
عدتك شرور الشر من كل ظالم
****
وصل إلهي كل يوم وليلة
على المصطفى المبعوث بدر المحاسن
وآل وصحب طيب الله ذكرهم
أولئك أخيار سموا بالمآذن
وكتب مرثية جميلة رائعة أخرى في صاحب السمو الملكي الامير فهد بن محمد بن عبدالعزيز وقصيدته كذلك الكبرى في رثاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
وقصائد عديدة في الوطن الذي أحبه وتغنى به ونذر وقته وجهده من أجله شعراً ونثراً.
كان محباً للوطن بأصدق صوره مقدماً أجمل الولاء لولاة الأمر وفياً مع رجالات الوطن.
وفي الختام فإني أعزي الوطن في هذا الفقيد الغالي الذي أقدم هنا بعض المقترحات للوفاء معه:-
1- أن تقوم دارة الملك عبدالعزيز بتخصيص ندوة كبرى موسوعة عن حياته وآثاره ومؤلفاته وجهوده في خدمة تاريخ الوطن.
2- طباعة ديوانه الشعري وجمع قصائده.
3- إعادة طباعة كتبه الأخرى التي نقد بعضها خصوصاً تلك المتعلقة بتاريخ الوطن.
4- إصدار كتاب وثائقي من حياة الفقيد وجهوده المشكورة لتاريخنا الوطني السعودي.
5- تشجيع الجامعات السعودية على إعداد دراسات علمية موسعة ورسائل عن منهج عبدالرحمن الرويشد التاريخي وجهوده في كتابة وتدوين التاريخ السعودي.
لقد عاش الشيخ عبدالرحمن الرويشد رحمه الله وعاصر مراحل هامة من تاريخ وكانت له مواقف واحداث مع شخصيات رسمية وعلمية وثقافية عديدة وكثيرة.
كان من أبرزها قصته مع العلامة الشيخ حمد الجاسر حيث قدم إليه مخبراً له بقرار إعفائه إثر المقالة التي نشرت في اليمامة وكان يديرها الشيخ حمد وكانت سبباً في قطيعة طويلة بين الاستاذ وتلميذه.
ويعقب الراحل الرويشد عن تلك الحادثة ويقول « لم أكن سيئ القصد، بل كنت أعتقد أن ما أفعله سترا وغطاء لما لا يرغب في إفشائه. وأن يكون ذلك الأمر سرا بينه وبين تلميذه المخلص، ففي أول الأمر قابل ذلك الحدث بعدم المبالاة، ولأن رسالتي كانت شفوية، لم يهتم كثيرا، لكن بعد فترة قصيرة وورود رسالة شخصية له من الشيخ محمد بن إبراهيم (رحمه الله)، حملها إليه سكرتيره الخاص، تحمل خطابا للملك سعود (رحمه الله) يثني فيها الشيخ محمد بن إبراهيم على الشيخ حمد الجاسر وجهوده وأعماله في تأسيس المعهد العلمي، ثم الكليتين، وأنه سيختار للكليتين مديرا آخر ، ويطلب إلى الملك سعود الموافقة على ذلك، مع الاستمرار في دفع المرتب كاملا من المالية للشيخ حمد، عند ذلك حملني، عفا الله عنه، مسؤولية ما اعتبره إساءة إليه شخصياً، مع أنه حقيقة أمر عادي لولا أن حرضه على ذلك آخرون من الإخوة والزملاء. وتقديراً لمكانته في نفسي استطعت أن أزيل ما في نفسه، وأن أوالي الاتصال به.. لكن ذلك تم بعد زمن طويل.»
وكذلك موقفه مع الوزير الراحل عبدالعزيز الخويطر عندما امتنع عن شراء مجلة الشبل.
والسؤال الأهم والأبرز هل كتب الشيخ عبدالرحمن الرويشد شيئاً من سيرته ومذكراته؟
لقد وعدني عدة مرات بأنه سوف يسعى إلى كتابة بعض من سيرته وهو ما أتمنى أن يكون حدث بالفعل والخبر اليقين عند أبنائه حفظهم الله.
لقد رحل المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرويشد متكئاً على عصا التاريخ يجوب به ويغوص فنبش وكتب وناقش وخالف ودافع ووافق.
لكنه ظل رمزاً تاريخياً سعودياً خالداً بعينه الحانية على الطفل كذلك يشفق عليه ويرقب حاله وهو كما يقول مغلوب على أمره.
رحل عبدالرحمن الرويشد وهو يتمثل دوما قول القائل:
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا
وما من ذاك شيء في يديه.
رحم الله أبا إبراهيم واسكنه فسيح جناته.