أبا حسين لا تبعد فكل فتى
يوماً رهين صفيحات وأعوادِ
جادة الموت عامرة بسير من انتهت أيام حياته في الدنيا إلى الدار الآخرة الباقية، فهي حافلة بقوافل الراحلين ليلاً ونهاراً لمن عاش على ظهر هذا الكوكب الأرضي إلى أن ينفد البشر، وهذه سنة المولى في جميع الخلائق البشرية:
كيف البقاء وباب الموت منفتح
وليس يغلق حتى ينفد البشرُ
ففي مساء يوم الثلاثاء 1438/3/14هـ بعد صلاة المغرب هاتفني الأخ الحبيب محمد بن صالح الخنيني- أبو صالح - والحزن بادٍ على نبرات صوته مُعزياً في جارهم وصديقنا جميعاً الشيخ الكريم إبراهيم بن علي صنبع- أبو حسين - الذي انتقل إلى رحمة الله في مساء يوم الثلاثاء 1438/3/14هـ، وقد أديت صلاة الميت عليه في جامع الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة عصر يوم الأربعاء 1438/3/15هـ ووري جثمانه بثرى مقبرة أم الحمام بالرياض بعد معاناة مع المرض طويلاً..، وبعد حياة حافلة بالكفاح والعمل الدؤوب في مواقع عدة.. وكانت ولادته ونشأته في منطقة جازان في بلدة العالية.. وعند بلوغه سن السابعة من عمره التحق بأحد الكتاتيب لتعلم القراءة والكتابة وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، وكان سريع الحفظ..، بعد ذلك انضم إلى حلق العلم بالمساجد، فأخذ يحفظ بعض المتون، وسماع شروحاتها من أفواه العلماء الأجلاء مع مواظبته على سماع ما يُقرأ من كتب المطولات، وكتب السيِّر قبل صلاة العشاء في بعض المساجد الكبيرة في بلده.. وكان ينصت أثناء القراءة.. مما كون لديه تنويرا واسع الأفق رغم حداثة سنه، حيث وهبه الله حدة ذكاء، ورغبة في التروي من حياض العلوم النافعة..، فربما أنه قد استفاد من ذلك زمن وجود الشيخ الفاضل عبدالله القرعاوي الذي كان سبباً مباركاً في محاربة الجهل وتعليم أبناء المنطقة هناك، وبدعم سخي من الملك سعود بن عبدالعزيز، كما هو حال فضيلة الشيخ فيصل بن عبدالعزيز المبارك قاضي الجوف.. - رحم الله الجميع - وقد نور كل منهما جهته، بدعم من ولاة الأمر جلالة الملك عبدالعزيز، والملك سعود - رحمهما الله وأسكنهما عالي الجنان -.
وقد انتقل - أبو حسين - من تهامة عام 1369هـ إلى جدة ومكث بها فترة من الزمن، ثم اتجه إلى المنطقة الشرقية وعمل لدى شركة أرامكو وسكة الحديد حيث تعلم فيهما اللغة الإنجليزية، والعلوم الإدارية والمالية، وحصل في تلك الفترة على عدة دورات لتلك المهام خارج المملكة، ثم أنتقل بعدها الى جدة حيث عمل سكرتيراً لأول وزير تجارة في المملكة وكانت الوزارة ضمن أول تشكيل وزاري في عهد الملك سعود - رحمه الله - ثم انتقلت الحكومة إلى الرياض حيث عمل في الخاصة الملكية - الديوان الملكي آنذاك- ثم وزارة الدفاع، ثم انتقل الى العمل في جازان مساعداً لكاتب العدل ثم عين مديراً لمكتب العمل والعمال في جيزان، ثم عاد إلى الرياض حيث عمل في الهيئة المركزية للتخطيط، واستقر به المقام في وزارة الزراعة والمياه الى أن تقاعد في عام 1408هـ، وكان محبوباً لدى جميع من عمل معهم في كل المواقع لما يتمتع به من لطف وحسن تعامل، وفهم للأعمال التي زاولها على مدى حياته العملية، وقد ترامت به الأيام في مشارق الأرض ومغاربها، حيث ملأ عينيه من تلك الآفاق قبل أن يغمضهما مفرق الأحبة والجماعات، مما كون لديه تراكمات في مخيلته من الذكريات، وكان أول لقاء به منذ أكثر من ثلاثة عقود في منزل الشيخ الأستاذ عبدالرحمن بن ابراهيم المشعل بمنزله في حريملاء، ثم تنامت المعرفة به حيث كنت أحضر الدوريات معه ومع أهل حيه الكرام بالرياض.
ويمتاز الفقيد بالأخلاق الفاضلة والصراحة والوضوح والشجاعة،سعى لخدمة بلدته ومنطقته بشوشاً وباسماً لمن يعرفه ومن لايعرفه، ومتحدثاً ماهرا ولبقاً واسع الثقافة، ولاسيما في التاريخ والأنساب، سخر نفسه لخدمة الزائرين للرياض من أهل بلدته ومنطقته ويسعى في قضاء حاجاتهم، يمتاز بمهارة فن العلاقات مع الآخرين، دائم الصلة والزيارة لأصدقائه.
ولئن غاب (أبو حسين) عن نواظرنا وأبعد فإن ذكره الطيب باقياً وماثلاً في مخيلتي وبين جوانحي مدى العمر، والعزاء في ذلك ان ترك ذرية صالحة وذكراً حسنا:.
وأحسن الحالات حال أمرئ
تطيب بعد الموت اخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
اذا خلت من شخصه داره
تغمده الله بواسع رحمته وألهم أهله وذويه وعقيلته - أم حسين - ومحبيه الصبر والسلوان.
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء